فضل مجالس الذكر والعلم
3 فبراير, 2025طوبى لمنفق المال في الحق وللعالم المعلم المخلص
20 مايو, 2025الموت للمؤمن تحفة وكرامة وراحة من عناء الدنيا إلى نعيم الآخرة
عبد الرشيد الندوي
عن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله تعالى عنه قال: كنّا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُلوسًا في مَجلسٍ، إذ مَرَّتْ جِنازةٌ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مُستريحٌ ومُستراحٌ منه، قال: فقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، ما المُستريحُ؟ قال: العبدُ المؤمنُ يَستريحُ مِن نَصَبِ الدُّنْيا وأذاها إلى رَحمةِ اللهِ، قُلْنا: فما المُستراحُ منه؟ قال: العبدُ الفاجرُ يَستريحُ منه العِبادُ والبِلادُ والشَّجرُ والدَّوابُّ.
تخريج الحديث: أخرجه البخاري (6512)، ومسلم (950)، والنسائي (1930)، وأحمد (22576).
وعن عمرو بن الحمق رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد اللهُ بعبدِهِ خيرًا عسَّلهُ، قالوا: وكيفَ يُعسِّلُهُ؟ قال: يَهديهِ إلى عملٍ صالحٍ حتّى يَقبِضَهُ عليه.
تخريج الحديث: أخرجه ابن حبان (342)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3298)، والحاكم (1258) والطحاوي في مشكل الآثار (2640).
شرح الحديث: إن هذه الدنيا فانية زائلة، والموت لا محيد ولا مفر منه لأي بشر. هو الحقيقة التي لا يستطيع أحد الهروب منها. وإن الله سبحانه وتعالى جعل الموت في هذه الحياة جزءًا من حكمته العظيمة، ووسيلة لانتقال العباد من مرحلة إلى مرحلة أخرى. ففي الحديث الأول، يوضح النبي صلى الله عليه وسلم كيف يختلف حال المؤمن عن حال الكافر عند موته. فالمؤمن عند موته لا يشعر بالخوف أو القلق، بل هو فرح مستبشر، جذلان مطمئن، يتلقى بشارة ربه. تراه يسرع نحو الراحة الأبدية في جوار رحمة الله، وهو يودع الحياة الدنيا التي كانت مليئة بالمشاق والصعاب مرتاح الروح باسم الثغر. الناس من حوله يبكون لفراقه، ويذكرون مآثره وأعماله الطيبة التي سطرها في هذه الحياة. فالموت بالنسبة له هو النهاية المشرقة لحياة كانت مليئة بالجهد في طاعة الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الكافر، فموته يكون على العكس تمامًا. يكون موت الكافر أو الفاجر راحة لكل شيء حوله، فالناس لا يذكرون إلا شره، وحتى الأشجار والدواب يشعرون بالراحة من وجوده، لأن حياته كانت مليئة بالفساد والمضايقات والظلم. موته يكون تخليصًا للآخرين من أذاه، وكأن الأرض قد تنفست الصعداء بعد رحيله.
والحديث الثاني يسلط الضوء على كيفية تعامل الله تعالى مع عباده الذين يختار لهم الخير. إذا أراد الله لعبد خيرًا، فإنه ييسر له طريق العمل الصالح ويهديه إليه، حتى يُختتم حياته بالعمل الذي يرضي الله، هذه الهداية تمنح العبد سكينة وراحة نفسية، وتضمن له رضى الله تعالى، حيث تفتح له أبواب المغفرة والرحمة.
هكذا، نرى في هذين الحديثين أن الراحة الحقيقية التي يسعى إليها الإنسان ليست في متاع الدنيا الذي سرعان ما ينقضي، بل في الإيمان والعمل الصالح. المؤمن الذي يظل ثابتًا في طاعة الله يجد راحته الحقيقية في الآخرة، بينما الكافر يعيش في فوضى وفساد يثقل الأرض، فيكون موته تخليصًا للآخرين من شره. إن الحياة الحقيقية هي في طاعة الله واتباع الطريق المستقيم.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.