الشيخ الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي وأسرته

رسالة طالب إلى الأستاذ الحبيب
20 مايو, 2025
الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي
20 مايو, 2025

الشيخ الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي وأسرته

محمد سليمان السنبهلي الندوي(*)

(*) الدراسات العليا (الشريعة) دار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ

“يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جنتي”.

إنّا لِفِراقك يا أيّها الأستاذ لمحْزونون، فُجِعْنا بحادث وفاة الأمين العام لندوة العلماء ورئيس تحرير صحيفة “الرائد” والنائب الأول لرئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية ورئيس مكتبها في شبه القارة الهندية يوم الأربعاء 15 رجب 1446هـ، الموافق 15 يناير 2025م، إثر حادث سير أليم عندما صدمته سيارة في بلدته رائي بريلي.

وإن حياته التربوية والعلمية تحمل في طيها الميزات والخصائص التي تميّز بها عن معاصريه.

إنه قد فارق الدنيا وغادرها في الوقت الذي كنا نحن الطلبة في أشد حاجة إلي أن نستفيد منه أكثر ما قد استفدنا، لأنّه كان أستاذًا قديرًا، ومربيًا مثاليًا يعتني بالتوجيه والترشيدفي مختلف مجالات الحياة، هناك مجالات متنوعة تستحق أن تُذكَر بإيضاح ووَضوح في ضوء اللحظات الهنيئة التي إنقضت في خدمته الحافلة.

إننا نعترف نحن الطلاب لهذه المؤسسة العلمية العظيمة يا أستاذنا قد فارقت الدنيا ولحقت بجوار الله عز وجل، إنَّ فقدانك كان صدمة مؤلمة، وعبرة لكل من يعي خطورة هذه الآفة التي تتسلل إلى حياة الشباب وتقضي عليهم دون رحمة، يخيّل إليّ أن كناَّ كمن قامر في ساعة واحدة بجميعِ ما تَمْلِكُ يدُه فلمّا خسر، خسِرَ كلَّ شيء.

قد غادرتنا ومؤسستنا بأكملها حزينة

وذكراك تبقى في القلوب خالدًا

يا من أصواته وضحكاته في مسامعنا

وشيمتك “السماحة والوفاء”

مولده ونشأته وأسرته:

ولد الشيخ الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي في 13/ سبتمبر 1960م في أسرة الأشراف الحسنيين التي انتقل جدُّها إلى الهند في القرن السادس الهجري، واستوطنت شمالي الهند، ثم أقامت في رائ بريلي في عهد الإمبراطور المغولي أورنج زيب عالمكير (م1118هـ) وقد انتقل إلى هذه المنطقة العالم الرباني الشيخ علم الله الحسني (م1096هـ) الذي كان من مسترشدي العالم الرباني الكبير السيد آدم البنوري (م1053هـ) من كبار خلفاء الإمام أحمد السرهندي، وقد عرفت هذه المنطقة بعد إقامة الشيخ علم الله بـ “دائرة الشاه علم الله الحسني”. وفي اللغة العامة باسم “تكية الشاه علم الله”، والتكية معناها: الزاوية، أو تكيه كلان، أي الزاوية الكبرى، لأنه توجد في رائ بريلي زاوية أخرى تعرف بتكية الشيخ عبد الشكور وهي أيضاً واقعة على شاطئ نهر سائ، مثل تكية الشاه علم الله، وفي كتب التاريخ أن الشاه علم الله كان يريد الهجرة إلى الحجاز، لكن الشيخ عبد الشكور الذي كان من الرجال المعروفين في رائ بريلي أبدى رغبته بأن يقيم الشيخ في هذه المنطقة للدعوة والإرشاد، وامتثالاً لرغبته استوطن الشيخ علم الله هذه القرية، وبنى مسجداً كبيراً مربعاً ومنزلاً صغيراً على تل كبير.

أنجبت هذه الأسرة الطيبة كبار العلماء المجددين والأئمة المجتهدين والمجاهدين، وكانوا على صلة بمشايخ أسرة الإمام السرهندي، والإمام الشيخ ولي الله الدهلوي، وتولوا مهمة الدعوة والإصلاح والإرشاد في عصورهم، كان في مقدمتهم الداعية المجاهد الكبير الإمام أحمد بن عرفان الشهيد الذي قام بحركة الإرشاد والتربية ثم الجهاد، وذلك في القرن الثالث عشر الهجري في مناطق من شبه القارة الهندية، فكان لها تأثير واسع في أطراف الهند لا تزال آثارها ملموسة، وكان في هذه الأسرة الشيخ ضياء النبي الحسني (م1326هـ) الذي استرشد به خلق كبير عن طريق الشيخ محمد أمين النصير آبادي الذي تاب على يده ألوف من سكان المدن المجاورة لرائ بريلي، والشيخ ضياء النبي الحسني هو جد الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي من جهة الأم.

تلقى الأستاذ جعفر الندوي مبادئ العلوم في بيته على والده الجليل، ثم التحق بدار العلوم لندوة العلماء، حيث توسع في الدراسات الإسلامية وتعلم اللغة العربية ونشأ في بيئة العلم والصلاح، كان الفقيد ابنًا بارًا للشيخ محمد واضح رشيد الندوي رحمه الله، وترك وراءه إرثًا فكريًا وعلميًا زاخرًا، حيث تميز كعالم بارز، وأديب بليغ، وقد تتلمذ على عمّه المبجّل فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي فقد كانت والدته السيدة بنت الشيخ الدكتور عبد العلي الحسني شقيقة الشيخ محمد الحسني، فنال رعاية والدته الصالحة، وتتلمذ على جدّه من جهة الأم الشيخ أبي الحسن الحسني الندوي، وقرأ عليه كتب الأدب واللغة، ونال شهادة العالمية وشهادة الفضيلة من جامعة ندوة العلماء، واستفاد من كبار الأساتذة في عصره.

كان يشغل منصب الأمين العام لندوة العلماء في لكناؤ، ورئيس تحرير صحيفة الرائد العربية نصف الشهرية، ورئيس رابطة الأدب الإسلامي لشبه القارة الهندية. ودرّس في دار العلوم لندوة العلماء كتاب الأدب من سنن أبي داؤد وشمائل الترمذي والفكر الإسلامي.

ولازم صحبة أبيه وعمه الشيخين الأخوين المخلصين محمد الرابع ومحمد واضح رشيد الحسنيين الندويين.

وشارك في عدد من الندوات والمؤتمرات والملتقيات الأدبية والعلمية على المستوى المحلي والعالمي، وقدّم بحوثاً ومقالات دينية وفكرية على موضوعات مختلفة.

وزار عدداً من البلدان مثل بلاد الحرمين الشريفين، والإمارات العربية المتحدة، وقطر والبحرين وسلطنة عمان وغيرها.

×