الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي في سلطنة عمان
19 مايو, 2025وداعاً يا رائد الملة الإسلامية!
19 مايو, 2025دموع أسى الفراق على السيد جعفر مسعود الحسني الندوي – رحمه الله تعالى – (1960–2025م)
محمد أرشد عبد الغفور عبد المجيد الندوي
حزن يفجع القلوب، ويعمق الجراح في سويدائها، وغم يكسر عمود الأنس، وصخور الثقة على شاطئ الآمال، وجوى يحرق الأكباد للأمجاد، ويكدر صفوة المنى، ويقطع العروة الوثقى للشعور بالأمان، ويعصف بالمشاعر والوجدان في طوفان الأسى والأشجان، ونبأ عظيم يسلب العقول ميزانها، ويقفدها توازنها، ونعي مفاجئ يفجر العيون أنهارًا من الدموع الغزار الحرَّى، وبحارًا من العبرات الهائجة المائجة في المدامع والمآقي، وفراق شديد القلق والهلع، من شأنه أن لا يصدق ما وقع، ولا يقر عليه قرار، ولا يستقر عليه أمر الاعتراف والإقرار، وكان يسيطر عليه لسان النفي والإنكار، بل هو ما كان يسمح مطلقًا لجذور الصدق واليقين بأن تتجذر في قلوب المحبين والمعارف والأحباء تجاه الحادث الأليم الذي تعرض له الفقيد الغالي المثالي نتيجة اصطدام سيارة في سرعتها المجنونة بدراجة شيخنا الشهيد المغفور له بإذن الله، لولا أن هناك قضاءً وقدرًا هو سر الله جل جلاله المكتوب عنده في اللوح المحفوظ لا يعلمه إلا هو، ولكل شيء عنده أجلٌ مسمًّى؛ فلا يستقدم ولا يستأخر.
أُكَفْـكِـفُ دَمْـعَ عَيْنِـي لَا تَنَـامُ | وَلَا يَحْلُو الشَّرَابُ وَلَا الطَّعَامُ(1) |
وَنَعْـيُ الشَّـيْخِ جَعْفَـرٍ اكْتَوَيْنَا | بِنَــارِ فِــرَاقِـــهِ وَلَـهَــا ضِــرَامُ |
إنه نعي الأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي –رحمه الله تعالى– الأمين العام لندوة العلماء لكنو، الهند، ورئيس تحرير صحيفة الرائد العربية نصف الشهرية، والذي وافته المنية الفاجعة مساء الأربعاء: 14 من رجب 1446هـ = 15 من كانون الثاني (يناير) 2025م؛ وذلك إثر اصطدام سيارة دهسته على حافة الطريق أثناء وقوفه على دراجته النارية لتغطية رأسه بالكوفية الشتوية للوقاية من البرد القارس.
حَبَسَ اللِّسَانَ وَأَطْلَقَ الدَّمْعَا | نَــاعٍ أَصَـمَّ بِنَـعْــيِـكَ السَّمْعَا(2) |
وقفة جميلة مع شيخنا الفقيد:
١– سنحت لي فرصة الزيارة والتلاقي بفضيلة الأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي –رحمه الله تعالى– في رحاب ندوة العلماء أول مرة عام 2020م وأنا قادم من مصر، وتقابلنا في دار الضيافة، وبهذه المناسبة جرى ذكر قصيدتي الرثائية(3) عن والده الجليل فضيلة الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي –رحمه الله تعالى– ففرح بما عرف، وتعجب مما سمع، وأعرب لي عن حبه، وشكره وتقديره، وأكد لنا أن نتغدى على مائدة دار الضيافة، فتناولنا الغداء معًا في صحبة الضيوف الآخرين من خريجي ندوة العلماء وكان أكثرهم من مدينة بوفال.
إنها زورة أولى ذهبية حصلت بيننا، وجلسة تعارفية طيبة نسجت أهميتها من خيوط قصيدة رثاء والده.
٢– طلب أستاذي الشاعر المصري الأزهري الكبير محمد المعصراني إليَّ أن أفيده بأسماء أولاد سماحة شيخنا السيد محمد الرابع الحسني الندوي ليذكرها في قصيدته الرثائية المطولة المئوية(4) التي ألفها على رحيله احتفاءً بحبه له، وتقديرًا لشخصيته الكريمة النابغة؛ فاتصلت هاتفيًّا بالأستاذ السيد جعفر مسعود الحسني الندوي –رحمه الله تعالى –، وكان الكلام بالعربية، وسمعته أول مرة يتكلم بها.
كان الفقيد الكريم منارة مضيئة للقلم الإصلاحي ومثالًا صادقًا للأدب الإسلامي الرفيع، وترجمانًا قديرًا للدعوة والإرشاد، وروحًا سمحة للتوجيه والإبلاغ، وصورة مشرقة للفكر القيادي البناء، ونجمًا ثاقبًا في سماء الأسرة الحسنية الطيبة الطاهرة، الأسرة الندوية المباركة.
كان جميل الخلق، طيب السيرة والمسيرة، هادئ الطبيعة، متزن العواطف، متقد القريحة، معتدل الفكر، كريم المعاملة، رفيقًا لينًا غير متكلف، ولا متصنع، بعيدًا عن الأضواء والضوضاء، خفيف الروح، مشرق الديباجة، لا تفارقه ابتسامته الحانية، وبشاشته الهانئة.
لما تولى منصب أمين عام لندوة العلماء، وخلا له الجو والزمان، وابتسمت له البيئة والمكان، برزت منه أعماله الدعوية والإصلاحية والتربوية والاجتماعية على نطاق واسع، وعلى نحو ما عرفت به أسرته الحسنية العريقة أولو الفضل والكمال، والإخلاص والوفاء، ولاقت مساعيه الحثيثة المشرقة في مدة وجيزة نجاحًا بارزًا، وقبولًا عامًّا ومن ثم تعددت أسفاره، وتكثفت رحلاته في الداخل والخارج حاملاً رسالة ندوة العلماء الوسطية والاعتدال.
يكاد يبرز فقيدنا الشهيد واحدًا من أهم أبرز الشخصيات القيادية في الأدب والدعوة والفكر والاجتماع في الأوساط الندوية مع ما حدث من فراغ متسع بذهاب مشاهير رجالاتها العظام، وخاصة سماحة الشيخ العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي وفضيلة الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي –رحمهما الله تعالى– إذ باغته المنون، ففاضت روحه إلى بارئها ومولاها.
ويمكن القول بأنه كان من أواخر الأبطال في ساحة الفكر الإسلامي في أسرته الكريمة بأوسع معانيه وأدواته التي كان يمتلكها عن اقتدار وجدارة، حيث كان يطلق من خلال افتتاحياته في الرائد قذائف فكره، وجواهر أدبه، وروائع وعظه، وطلائع دعوته، كان لها صدى في أنحاء البلاد وخارجها؛ فأصدر مقالاته وكتاباته مشعةً بروح دينية مخلصة، ومشبعةً بتوعية اجتماعية صادقة، ومتقدةً بالإخلاص والصدق، والتفاني في سبيل العقيدة، والمبدأ والهدف السامي.
الهوامش:
- من شعري.
- من شعر حافظ إبراهيم.
- قصيدتي، وهي منشورة في صحيفة الرائد، العدد الممتاز، 16 من مارس 2019م، ص: 128.
- من شعر الشاعر محمد المعصراني، وهي منشورة في صحيفة: الرائد، العدد الممتاز، مايو – أغسطس: 2023م، ص: 210، 211، 212. وفي مجلة: البعث الإسلامي، العدد الممتاز، شهر أغسطس: 2023م، ص: 295 ومطلعها: قِفَا نَبْكِ إِنَّ الْحُــزْنَ عَــاتٍ وَهَـائِلُ * وَفَجْعُ الرَّحِيلِ الصَّعْبِ غَاوٍ وَغَائِلُ.
مئة بيت من الطويل.