فقدت الأمة الاسلامية علما من أعلامها
18 مايو, 2025اللقاء الذي كان مكتوبًا أن يكون أخيرًا
18 مايو, 2025خالي
محمد بن عبد الله الحسني الندوي
عندما كان يدخل خالي الحبيب الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي البيت، يسلّم علي الجميع، أو يخرج من البيت فلا ينسى التسليم، وقبل وفاته بيوم حين خرج من البيت للذهاب إلى رائي بريلي سلم علي جميع أهل البيت بصوت عال، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف”. وقال أيضًا: والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتُم؟ أفشوا السلام بينكم”.
ومن أخلاقه أنه إذا وجه إليه أحدٌ سؤالاً، يلتفت إليه ويأخذه بعين الاعتبار ويجيب عليه بشوق ورغبة، فقلب السائل يطمئن به، ولم يكن يبالي بأن السائل بعمره أو بسن ولده، بل يجيب عليه، فيعود السائل وهو مطمئن ومسرور.
وإذا أصيب شخص بمرض يذهب لعيادته، يعرفه أو لا يعرفه، وبعد إصابة دراجته النارية بالخلل يذهب بي لعيادة المرضى، فشهدت أن ذهابه ليس بالرسمية، بل يسليه ويجلس عنده ويتكلم معه، وإن كان بحاجة إلى مساعدة، فيساعده، ولا يمن عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً».
وإن مات شخص يذهب إلى بيته ويعزي أهله ويسليهم، روى الترمذي وابن ماجه في “سننيهما” عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ».
وإن أتى شخص يطلب شيئًا يجتهد أن يحقق حاجته، بعد وفاته علمنا ان الله جعله سببًا لنصرة المساكين الكثر.
كانت وظيفته تدر عليه مالا، لكنه لا يصرفه على نفسه إلا قليلا، ويصرفه علي المساكين والفقراء لابتغاء مرضاة الله.
قال الله سبحانه وتعالى في القرآن المجيد:اِنَّ الْمُصَّدِّقِيْنَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَاَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ اَجْرٌ كَرِيْمٌ”.
أو كان يأتيه للمقابلة فيلاقيه بابتسامة ويتكلم معه ويجالسه ويقدم إليه الطعام والشراب.
ولما كان يأتي أحد من معارف جدي محمد الحسني رحمه الله يكرمه خالي ويقيم له مأدبة لذيذة شهية، ويجلس معه ويتكلم معه، ويتصل بأصدقاء جدي أيضا ويتفقد أحوالهم حينا لآخر. روى مسلم عن أبي شُريح الخُزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت.
نحن نجلس معه ونسأله عن أحوال العالم فيجيب بالتفصيل ولا ينظر أن السائل صغير أو كبير، فيكون حديثه علميا، قبل وفاته بيوم أو يومين سألته عن حريق لوس إنجلس فأجابني إجابة شافية مقنعة.
كان يجلس في غرفته في الحر الشديد، وغرفته ليست مكيفة، لكنه ما اشتري مكيفا، وقبل نحو سنتين اشترى أبناؤه مكيفا ووضعوه في غرفته لكنه لا يستعمله إلا أحيانًا، ولا يلبس لباسا ثمينا، ويمنع أبناءه أيضا ويقول: إذا اشتريتم شيئا ثمينا لا تخبر شخصا لا يستطيع أن يشتريه. هذا كان من تواضعه، عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ترك اللباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها”.
وكان يحب الأطفال ويشتري لهم أمتعة وألعابا وحلويات، وإن يطلب طفل شيئا يضر، فيمنعه، ويجلس معهم ويداعبهم ويعلمهم، وكان يمازح أطفال بيته ويسأل عن شأنهم وأحوالهم، وتكون الابتسامة ظاهرة علي شفتيه، وكان يسخط عندما يري الجوال عند الأطفال ويمنعهم ويغضب علي أبنائهم بسبب إعطائهم إياهم الجوال.
ولما كان يستعمل خالي الجوال فيسمع تلاوة القرآن أكثر، أو من كلمات علماء التفسير والحديث والفقه وعلماء الأدب من العالم كله علي شاشة الجوال أو قناة الأخبار العربية.
إنه كان معلمنا ومربينا، قرأت عليه التعبير العربي، وشاركت في دروسه علي الفكر الإسلامي، ولما كنت أدرس في مدرسة مظهر الإسلام بلكناؤ أذهب الي المدرسة معه في دراجته كل يومين أوثلاثة أيام عدة سنوات لأن الطريق إلى مدرسته كان يمر بمقربة من مدرسة مظهر الإسلام، فيواظب على الموعد ويذهب إلى مدرسته علي الموعد، فلم أر أن تأخر في الذهاب إلى المدرسة وينصحنا أيضا بذلك.
كنت في لكناؤ عندما سمعت خبر وفاة خالي الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي فجن جنوني، وطار لبي، وما كنت أعلم متى وأين وقعت هذه الفاجعة المؤلمة، وكم حادثًا وقع لكن لم يظهر الألم والحزن، وكنت أخاف وأدعو الله تعالى، وبعد ست أو سبع دقائق صدق الخبر، فحرمت من يلاطفني ويربيني على الخير والحق والفضيلة، ويهتم بشأني كل الاهتمام، انَّ لِلّهِ مَا أَخَذَ وَلَه مَا أَعْطى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَه بِأَجَلٍ مُّسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِب.
اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عنْه وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، اللهمّ أنزله منزلاً مباركاً، وأنت خير المنزلين. اللهمّ أنزله منازل الصدّيقين، والشّهداء، والصّالحين، وحسُن أولئك رفيقاً. اللهمّ اجعل قبره روضةً من رياض الجنّة.