صداقة عابرة… لكنها خالدة في القلب
18 مايو, 2025خالي
18 مايو, 2025فقدت الأمة الاسلامية علما من أعلامها
محمد أمين الحسني الندوي
فقدنا والدنا الذي يعرف بحلمه ورأفته، يعرف بحكمته وبفكره النير، يعرف بحنانه وشفقته، ورفقته ولطفه.
فقدنا والدنا الجليل في حادث مروري، فقدناه ونحن في أشد حاجة اليه، نؤمن بأن الله تبارك وتعالي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، قضي الله تبارك وتعالي له أن يرجع إليه بعد ما أمضي من عمره خمس وستين سنة، انا لله وانا اليه راجعون، إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمي، ونحن نذكر هنا ما قاله مرزا مظهر جان جاناں: يقول الناس إن مرزا قد مات، ولكن في الحقيقة قد ذهب إلي بيت الأبد، إن البيت الحقيقي هو بعد الممات.
نحن نقول بل نشهد بأن والدنا الجليل قضي حياته كمؤمن؛ بل كانت حياته حياة قرآنية. لقد أعطى الله والدَنا فضائل ومواهب ومكارم أخلاق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومما يتميز والدنا رحمه الله، التواضع، ولين الجانب، والخلق الحسن، فكانت حياته مثالية في هذا المجال.
كتب والدنا –رحمه الله– عن عمه الحنون فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي –رحمه الله–في افتتاحية “الرائد”:
“كان هذا الرجل الذي فقدناه أخيرًا يعرف بإيمانه الراسخ، وعقيدته الصحيحة، وعمله الصالح، كان يعرف بحبه الغامر للنبي صلي الله عليه وسلم، وحبه لأهل بيته الأطهار، وحبه لأصحابه البررة الكرام، كان يعرف بحلمه وصبره، وتحمله، كان يعرف بزهده وورعه وتواضعه، كان يعرف بحكمته وبصيرته وفراسته، كان يعرف برأفته وحنانه وعطفه، كان يعرف بثقته بالله وتوكله عليه وإنابته إليه، كان يعرف برقة قلبه ولين طبعه وحلاوة حديثه، كان يعرف بنصحه للآخر وإيثاره له وتعامله معه معاملة تليق بشأنه….”.
هذه الصفات هي التي كان والدنا رحمه الله متصفًا بها، وكانت تتجلي لنا في حياته.
لقد خدم والدنا والديه وخاصة والدته أيام مرضها، كان يأتي كل يوم بعد الظهر من لكناؤ وكان يطعمها ويسقيها ويتحدث معها، ويذهب الي لكناؤ بعد صلاة الفجر كل يوم من رائي بريلي، وكان دأبه هذا نحو سنتين، وكذلك قد خدم والده رحمه الله وعميه الكريمين.
لقد كانت حياة والدنا رحمه الله حياة السعداء، كان يربي أولاده، وكان يحب أولاده ويعلم أولاده كيف يتعلمون وكيف يفكرون وكيف يعيشون، كان يقول: انظروا إلي أجدادكم، ونحن –نحمد الله سبحانه وتعالى على ذلك– إننا تعلمنا منه القرآن مع التجويد، والعربية كتابة وقرأة، وكيف نطالع الكتب، وكان يقول لنا: إننا اجتهدنا كثيرًا وحفظنا الأحاديث والعبارات، وكان يسمع أحاديث الشخصيات البارزة مثل سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي والشيخ محمد الغزالي والأستاذ محمد قطب، والشيخ متولي الشعراوي وأمثالهم.
لقد كان والدنا رحمه الله بعيدًا عن التنوع والتلون في الأكل والشرب، وفي اللباس والسكن، وفي شأن من شؤون الحياة، وكان عاش رحمه الله حياة الزهد، كان من أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة، وكان شديد الحرص لما عند الله تبارك وتعالى، وكان يضع هذه الآية نصب عينيه: ما عندكم ينفد وما عند الله باق.
كان والدنا رحمه الله يتعامل مع الناس معاملة العز والكرامة، عندما يخرج من بيته الى المسجد للصلاة، وينظر إلى كل رجل وبخاصة إلى الأقارب، كان يبدأ بالسلام عليه ويسأل عن أحواله وصحته، كان يعلمنا الأخلاق والخلق النبوي، فكان يتبسم كل حين.
كان من أخلاق والدنا رحمه الله اللين والسماحة والسخاء والرفق والكرم والصبر والتواضع، والبعد عن الغرور والكبر والحسد والبغض، كان أخذ العلم والأدب من سماحة والده رحمه الله.
وكان والدنا يجلس في المسجد عقب كل صلاة وخاصة صلاة الفجر والمغرب طويلا، وكان يتلو القرآن الكريم، ويدعو الله، ويذكره سبحانه وتعالى، وكان يجالس الناس مجالسة الحلم والتقوى، وكان يعطي كل ذي حق حقه، وكان عندما يبعثنا للدعوة والخطابة فيقول، خذ مني نفقة السفر، أو السيارة، وكلما جاء ضيف أو قريب قال له، لا تذهب إلا بعد الطعام، ويهتم بإكرامه اعتناءً بالغًا وكان لا يسعى لنفسه، وكان يقول: انظروا إلى الآخرة، إلى حياة الأبد، وكان يحب القرآن وتلاوته والاستماع إليه، فكان يسمع كل مقرئ، وكان يقول: نسمع القرآن الكريم من الشيخ الحصري إذا تيسرت الفرصة.
كان والدنا رحمه الله يأمرنا بأن نخلص مع الله في السر والعلن، ولا نعمل بغير نية، وكان يحب لله، ويبغض لله، ويعطي لله، ويمنع لله، وكان لا يبتغي إلا رضا ربه في كل شأن من شئونه.
رحم الله والدي، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى في دار النعيم، وأنزل عليه شآبيب رحمته.