الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي أديبًا وكاتبًا إسلاميًا
18 مايو, 2025فقدت الأمة الاسلامية علما من أعلامها
18 مايو, 2025صداقة عابرة… لكنها خالدة في القلب
د. يوسف محمد الندوي
(الأمين العام: فرع رابطة الأدب الإسلامي العالمية، بولاية كيرالا)
مقدمة:
حينما تحلق الأرواح في سماء المحبة الصادقة، وتلتقي القلوب على ميدان العلم والإخلاص، تنشأ بين الأصدقاء رابطة أسمى من مجرد المعرفة العابرة، إنها علاقة يخطها الوفاء ويثبتها التقدير العميق. وهذا ما جمعني بالشيخ الجليل الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي رحمه الله، العالم الكبير والداعية الصادق، الذي كان نموذجًا حيًا للخدمة والتفاني في سبيل العلم والدين. كان لقاؤنا الأول بعد فترة طويلة فى شهر سبتمبر 2022م في ندوة العلماء بلكناؤ فى وفد علمي شارك فيه أصحاب الفضيلة د.جمال الدين القاروقي، ود. مصطفى الفاروقي، ود.عز الدين الندوي، حينما التقيت بالشيخ هنّأني بحرارة، وعانقني كمن يعانق أخًا طال به الشوق، وجرت بيننا أحاديث ملؤها المحبة والتقدير، تحدثنا عن خدمة الدين والدعوة، وعن الجهود التي يبذلها العلماء الصادقون في نشر الهداية، وعن أهمية حمل مشعل الفكر الوسطي الذي قامت عليه ندوة العلماء. لقد كان حديثه عذبًا، يحمل بين طياته الإيمان القوي والإخلاص المحض، وكنت أصغي إليه بشغف، مستمتعًا بكلماته النابعة من تجاربه. ما زلت أتذكر ما دفعني على وجه التحديد إلى الكتابة فى مجلة “الرائد” التي يرأسها. عندما حدثت كارثة الإنهيار الأرضي في واياناد، كتبت عنه وأرسلته إليه فنشره بأهمية كبيرة.
وبعد ذلك قد شرفت بلقائه مرة أخرى في بلدتي كيرالا، عند ما زارها ليكون المتحدث الرئيسي في ندوة وطنية انعقدت في 19–20 ديسمبر 2023م بجامعة كيرالا عن “إسهامات العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي فى مجال الدراسات العربية بالهند”. وقد زادتني هذه الزيارة قربًا منه، إذ رأيت فيه نفس الروح المتألقة المخلصة، قد استطعنا فى هذه المرة إجتماع رابطة الأدب الإسلامي العالمية لفرع كيرالا فى رئاسته برحاب كلية أزهر العلوم التي أسسها د. محي الدين الآلواي رحمه الله صديق والده الكريم العلامة السيد محمد واضح الندوي رحمه الله مع إخواننا الأستاذ عبد الشكور القاسمي والشيخ محي الدين الندوي ود.عز الدين الندوي وغيرهم. تجددت في هذا اللقاء تلك المشاعر الصادقة التي جمعتنا محبة العلم والأدب والدعوة، كانت كلمات الشيخ تفيض دفئًا ووفاءً. وقد شرفني وأكرمني بحبه واحترامه، ولم يكن ذلك إلا انعكاسًا لخلقه الرفيع وروحه النقية. رحل صديقنا الحميم السيد جعفر مسعود الندوي إلى جوار ربه، ولكن ذكراه لا تزال تنبض في القلب، كأنها زهرة لا تذبل، أو كوكب لا يأفل. ستظل مواقفه النبيلة، وكلماته العذبة، وعلمه الغزير، نبراسًا لمن عرفه وأحبه.
رحمك الله أيها الشيخ الكريم، وجمعنا بك في مستقر رحمته، وجعل علمك وعملك دليلا للأجيال، وذكراك نبراسًا لا ينطفئ، يصورك قلمي المتواضع حسبما أعرف عن شخصيتك.
حياته ونشأته:
ولد جعفر مسعود حسني في 13 سبتمبر 1960م في بيئة امتزج العلم والأدب والورع والتقوى بقرية تكيه كلان من مقاطعة رائي بريلي بولاية أوتارا براديش بالهند، فى عائلة معروفة بخلفيتها العلمية والروحانية. كان والده العلامة الشيخ محمد واضح الرشيد الندوي رحمه الله معروفا فى مجال العلم والأدب والدعوة بالهند، بينما كان عمه وحموه العلامة الشيخ محمد الرابع الندوي رحمه الله وجده سماحة الإمام العلامة السيد أبو الحسن علي الندوي أيضًا من عباقرة السلالة الحسنية القطبية ومن علماء ندوة العلماء بلكناؤ وقادتها الأسلاف.
نشأ جعفر في قريته التي اجتمعت فيها أنوار العلم وأصالة الدعوة، وحفظ القرآن الكريم صغيرًا، وكأن حروفه نسجت خيوطًا من النور في قلبه، وصلى صلاة التراويح في مسجد “دائرة الشاه علم الله”، وكان يتلو كتاب الله بصوت شجيّ ورخيم، يلامس القلوب ويتأثر الأرواح، أكمل تعليمه الإبتدائية بها والتحق بدار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ، للدراسات العالية والعليا، حصل على شهادة التميز فى العالمية سنة 1981 وشهادة التميز فى الفضيلة سنة 1983. ثم أكمل درجة الماجستير في اللغة العربية من جامعة لكناو في عام 1986 كما أتم منهج تدريب المعلمين في جامعة الملك سعود في عام 1990م بالمملكة العربية السعودية.
خدماته:
السيد جعفر مسعود الحسني الندوي من أحد أعلام الفكر الإسلامي والتربية والتعليم في العصر الحديث فى الهند، حيث جمع بين العلم والعمل والدعوة والتأليف، وكان من الشخصيات البارزة التي أسهمت بفعالية في إثراء الحياة الفكرية والأدبية. وكان لـندوة العلماء بلكناؤ دورٌ محوريٌّ في تكوينه العلمي والأدبي والفكري، حيث نهل من معينها واستقى منها منهجه المتوازن الذي يجمع بين القديم الصالح والجديد النافع، لم يكن مجرد عالمٍ تقليديٍّ، بل كان داعيةً ومفكرًا وصحفيًا وأديبًا، حمل همّ أمته وسعى إلى توجيهها نحو التقدم في إطار القيم الإسلامية الأصيلة.
تميز الشيخ جعفر مسعود الندوي بإنتاجه الفكري فأسهم في مجال التعليم والتأليف، حيث نشر العديد من المقالات والكتب التي عالجت قضايا الفكر الإسلامي والتربية والدعوة بأسلوب جميل ومنهجية واضحة. كما كان دور قوي في الساحة الاجتماعية والتعليمية، حيث بذل جهودًا حثيثة في نشر التعليم وتطوير المناهج التربوية بما يتناسب مع متطلبات العصر، دون الإخلال بالهوية الإسلامية. وإلى جانب ذلك، لم يغفل عن دوره في الخدمات الاجتماعية والعمل الإنساني، حيث سعى إلى تمكين الشباب ونشر الوعي بينهم، إيمانًا منه بأن العلم هو السبيل الأقوى للنهوض بالمجتمعات. لقد ترك إرثًا فكريًا وتربويًا غنيًا متبعا على منوال والده البار وعلماء أسرته العريقة.
بدأ مسيرته التعليمية مدرسًا للحديث النبوي والأدب العربي في المدرسة العرفانية العالية التابعة لندوة العلماء بلكناؤ، وكان حريصًا في غرس حبّ العلم والتفوق بين طلابه، وتزوّدهم بالمعرفة والأدب والتربية الإسلامية المحضة على مدى سنوات طويلة. لم يكن مجرد معلم فحسب، بل كان مربّيًا مقتديا وملهِمًا مخلصاً يغرس الوعي والقيم في نفوس طلابه ويشحذ هممهم للسير في دروب العلم بعزم وإخلاص.
تولّى رئاسة التحرير لصحيفة “الرائد” في عام 2019م إثر وفاة والده الكريم المرحوم العلامة السيد محمد واضح الرشيد الندوي، فقادها بحكمة واقتدار مستعينًا بنخبة من أساتذة دار العلوم لندوة العلماء مقتديا خطوات والده الكريم، حيث أن صحيفة الرائد منبر قديم للفكر الإسلامي الأصيل، وصوت دوي لقضايا الأمة، وأداة لتنشئة جيل جديد على الكتابة بالعربية الفصحى منذ صدورها. كما تولى منصب الأمين العام لندوة العلماء والمجمع الإسلامي العلمي التابع لها ورئاسة مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية في شبه القارة الهندية في عام 2023م، فكان لحضوره هذا أثرٌ بارز في تعزيز مسيرة الندوة الحالية حيث عمل جنبًا إلى جنب مع فضيلة الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء العام، على تطوير أنشطتها العلمية والفكرية، ودعم رسالتها في خدمة العلم والدعوة، وإبراز القيم الإسلامية بين المجتمع.
إسهاماته فى الصحافة والفكر الإسلامي:
لم يكن الأستاذ جعفر مسعود الندوي عالمًا تعليميًا فقط، بل كان أيضًا كاتبًا ومفكرًا إسلاميًا، وله دور بارز في إثراء الفكر الإسلامي من خلال مقالاته وكتبه التي ناقشت قضايا الأمة الإسلامية، والتحديات المعاصرة. كان من الرواد في استخدام الصحافة كأداة لنشر الفكر الإسلامي المستنير، فأسهم في تحرير وإدارة بصحيفة الرائد التي عملت على تعزيز الوعي الديني والفكري بين الجيل الناشئ. كان قلمه قويًّا، يطرح قضايا الأمة بأسلوب يجمع بين الأصالة والتجديد، دون أن يغفل عن أهمية المزج بين الأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة حرصًا على الجمع بين عمق الفكر وجمال الأداء، مما جعله شخصية محورية في ميادين العلم والفكر والأدب.
وكان له موقف ممتاز فى فضايا الأمة والعالم الإسلامي. إليكم بعض الأمثلة من كتابته:
يكتب عن المفهوم الشامل للعبادة الإسلامية: “كان مفهوم العبادة في أذهان الأجيال الأولى يختلف عن مفهوم العبادة في أذهان الأجيال المتأخرة، كان مفهوم العبادة فيما مضى من الزمن يشمل كل نشاط للإنسان، وكل عمل يقوم به في حياته، وكل حرفة يختارها لنفسه، فالنية والحسبة والالتزام بالشريعة هي التي تجعل كل عمل يقوم به عبادة يجزى عنها، أليس المعلم في تعليمه عابدا؟ أليس الطالب في تعلمه متعبدًا؟ بلى، بشرط أن يكون ملتزما بأوامر الله عز وجل، ويؤدي ما عليه من الحقوق ولم يقصر فيما كلف به من العمل.
التاجر في تجارته عابد ما لم يغش ولم يخدع ولم يدلس على الناس ويبتغي بها وجه الله، والزوج في التعامل مع زوجته عابد، والجار في الإحسان إلى جيرانه عابد، والقريب في صلة رحم أقاربه عابد، والداعي في دعوته عابد، والماشي في الشوارع والطرقات بغضه لبصره عابد، والمبتسم في وجه أخيه عابد، والرجل الذي يميط الأذى عن الطريق عابد، والمزارع في زراعته عابد، والموظف في وظيفته عابد، نستطيع أن نجعل كل عمل نقوم به في حياتنا بالنية والاحتساب وابتغاء وجه الله عبادة إذا قمنا به غير مقصرين فيه. لكن اليوم انحصر مفهوم العبادة في الشعائر التعبدية، فأصبحت الأمة كغيرها من الأمم”(1).
وكان قلبه موجعًا عن الإنحطاط الثقافي والإنحلال الخلقي ونشر اللادينية والإباحية بين الشباب والفتيات فى المجتمع مما كتب فيه: “إن ما نراه اليوم من الشقاق والافتراق، والتفكك والتشتت، والانحلال والإباحية والعرى والأمراض والأوبئة، وما نمر به اليوم من الهزائم والانسحاب، والإبادة والتشريد، والهجمات والقتل والنهب، والقذف والتدمير، وما نواجهه اليوم من الأحداث الخطرة التي ألمت بنا نحن المسلمين من الاجتياحات والعدوان والبغي والاحتلال والإفساد والإساءة والظلم والاضطهاد وسلب الحقوق، هي من الأمور التي أخبرنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وورد ذكرها في الأحاديث، وذكر لنا تلك الأسباب التي تؤدي إليها، وبين لنا طرق التجنب منها.
عن زينب زوجة النبي صلى الله عليه وسلم تقول: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، قالت زينب: “فقلت: أنهلك وفينا الصالحون، فقال نعم، إذا كثر الخبث”. ألا يدل على ظهور الخبث وانتشاره التعامل بالربا، والانحلال الخلقي في أوسع صوره، والطرقات التي تمتلئ بالكاسيات العاريات، والأفلام الإباحية، والعلاقات غير الشرعية بين الرجل والمرأة، وهذه الفضائيات التي تبث سمومها، وتنشر فسادها ليلا ونهارا”(2).
وكان الشيخ رحمه الله يرى أنه يجب على العلماء والدعاة أن يراعوا العلوم العصرية والأوضاع الراهنة، يقول: النصيحة مهمة لا يقوم بها عالم على وجه مؤثر إلا عالم يدرك الواقع بجانب ما عنده من نور العلم، يعيش في مجتمعه مفتوح العينين، يرى ويشعر ويفهم ويتألم ويحلل ويستعرض ويفكر ويعمل عقله، ثم يقدم النصيحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة ” فلابد للعالم أن يقدم النصحة فالعالم كما يجب عليه التعليم والتربية، وتصحيح الأخلاق، وإصلاح المجتمع، وتقديم النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بواجب الوقت، عليه أيضًا أن يدرك الواقع ولا يعتزل عن مجتمعه، ولا يغمض عينيه عما يحدث حوله، مما يثير القلق، ويدعو إلى التفكر، ولا يعيش متفرجًا على ما يجري حوله من الأحداث والوقائع. كل من يقدم النصيحة بدون أن يدرك الواقع، يخطئ ويخيب رغم ما لديه من علم غزير، نرى كثيرًا من العلماء يعرضون آراءهم في ضوء ما تلقوه من العلم، ولا علاقة لهم بإدراك الواقع، فآراؤهم لا تأتي بنتيجة، أضاف الشيخ رحمه الله قول والده العلامة محمد واضح الندوي فى هذا الموضوع، حيث يقول “إن العمل الإسلامي اليوم بحاجة إلى دراسة للواقع والظروف التي يعيش فيها، وفهم الفلتات ومسح وإحصاء للحاجات والكفاءات دراسة شاملة، وتوزيع الثروة الفكرية والخبرة العملية حسب الحاجة، وتجنب تصرفات وأعمال يستغلها الأعداء لوصف الإسلام والعمل الإسلامي بالإرهاب والتطرف، وفي كل بلد يوجد مثل هذه القطاعات المهجورة التي تسترعى الانتباه، وقد تركزت الجهود في المدن، وحشدت في بعض الأصقاع، فإذا قام العمل الإسلامي على أساس دراسة، ووجهت العناية إلى القطاعات المهجورة لإزالة التفاوت، ووجد التعاون بين الأوساط الرسمية والحركات الطوعية، لأثمرت هذه الجهود أكثر مما تثمر اليوم، وخير الغيث ما عم كما أن طاقاتها تركز على النظرية والدفاع، وتناول الشبهات والتهم والدعاوي التي لا حاجة إلى إعادتها وردها، وإضاعة الوقت فيها، بدلا من أن تختار مجالات العمل الجديدة، وإثبات سداد الإسلام عمليًا، وحل مشاكل الحياة الإسلامية والتنظيم لجميع قطاعاتها طوعيًا. فإن الجهود المبذولة في مجال العمل الإسلامي اليوم تحتاج إلى تيقظ ووعي للأخطار والتحديات، ومعرفة العناصر المفسدة التي تسربت إلى صفوف العاملين في الحقل الإسلامي، كما تحتاج إلى تكافل وتواصل رغم العقبات، وتجنب الفرص التي يستغلها أعداء العمل الإسلامي”(3).
وكان للشيخ رحمه الله موقف واضح جريئ تجاه القضية الفلسطينية والقدس، كما كان لوالده الشيخ سيد محمد واضح الندوي وعمه الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي وجده العلامة الشيخ أبو الحسن علي الندوي يقول فيه:
“وجرى في هذه الأرض المقدسة التي احتضنت القبلة الأولى وثالث الحرمين الشريفين أحداث غيرت خريطة هذه المنطقة وطبيعة العالم، تغيرت القيم، تغيرت الأعراف، تغيرت المقاييس، تغيرت الموازين تغيرت الأفكار، تغيرت الميول والنزعات، وتم استيلاء اليهود عليها بدسائس ومؤامرات نسجتها أيدي القوى الكبرى لليهود، وتمكن بها اليهود من بسط نفوذهم وفرض هيمنتهم وساعدهم في ذلك لجوؤهم إلى أربعة أمور وهي:
- تمويل الصحف الصادرة في الدول الكبرى لفرض فكرتهم عليها، وذلك لتعبئة الجو لإقامة دولة صهيونية في فلسطين، وكسب التأييد من الدول الأوروبية عن طريق هذه الصحف.
- شراء الأراضي بأسعار باهظة للزراعة، وإنشاء المصانع وإقامة المستوطنات.
- تشريد أكبر عدد من أبناء فلسطين إلى الدول العربية المجاورة ليتم إخلاء هذه الأراضي من أهاليها المسلمين، وفتحت الدول العربية ذراعيها لتحتضن هذا العدد الهائل من الأخوة الفلسطينيين كأكبر مساعدة لهم، لكن هذه المساعدة ليست مساعدة في الحقيقة؛ وإنما هي مؤامرة سهلت لليهود عملية التشريد والإخلاء، وتقلصت بذلك نسبة المسلمين، وتقوضت سيطرتهم في فلسطين.– فتح الأبواب الهجرة اليهود إلى أرض فلسطين لترتفع نسبتهم، ولجأ اليهود لتحقيق هذا الهدف إلى إحداث الفتن وإثارة القضايا التي تدفع اليهود المقيمين في تلك الدول إلى أن ينتقلوا إلى فلسطين حيث تنتظرهم السعادة.
أليس من غريب الأمر أن يتم نقل المسلمين من فلسطين بينما يتم نقل اليهود إليها، ألا يدل ذلك على أن هذه المساعدة التي قدمتها الدول العربية للإخوة الفلسطينيين كانت في الواقع لصالح اليهود عمداً كان أو خطئًا، وحققت نتائج يحلم بها اليهود منذ قرون”.(4).
الخاتمة:
وهكذا، تنطوي صفحة مشرقة من صفحات العلم والدعوة، لكنها تظل خالدة في القلوب والعقول، تشهد على رحلة حافلة بالبذل والعطاء. لقد كان الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي مثالًا للعالم العامل، والمفكر الواعي، والمربي الفاضل، الذي وهب حياته لخدمة الإسلام والعلم والأدب، فكان صوته صداحًا في ميادين الفكر، وقلمه سيفًا مدافعًا عن قضايا الأمة، وخطاه منارة تهتدي بها الأجيال.
توفي السيد جعفر مسعود الحسني الندوي في 15 يناير 2025 في حادث مروري، كان عمره 65 عامًا. أقيمت جنازته في 16 يناير 2025 في مقابر أجداده في تكيه كلان، برائي بريلي، وأمّ صلاة الجنازة فضيلة الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي، إن فقده ليس مجرد خسارة شخصية لمن عرفه، بل هو فقد للأمة جمعاء، إذ تفتقد فيه عالمًا جليلًا سخر قلمه وفكره وجهده لخدمة الدين والإنسانية. ولكن العزاء يكمن في أن أمثاله لا يموتون، بل تظل آثارهم حية نابضة في كتبهم، وفي تلاميذهم، وفي القيم التي غرسوها، والمبادئ التي عاشوا من أجلها.
رحم الله الشيخ الجليل، وجزاه عن العلم وأهله خير الجزاء، وجعل ذكره الطيب ممتدًا بين الناس، وعمله شافعًا له يوم يلقى ربه. وأسأل الله أن يبعث في الأمة أمثاله، ليكملوا المسيرة، ويحملوا المشعل، ويواصلوا الجهاد بالكلمة والقلم والفكر، فما أحوجنا إلى عقول نيرة، وقلوب مخلصة، ونفوس تحمل همّ الإصلاح والتوجيه، كما كان الشيخ الراحل رحمه الله.
الهوامش:
- جعفر مسعود الحسني الندوي، الإفتتاحية، مجلة الرائد، الأعداد 7–9، أكتوبر– نوفمبر 2024م
- 1–16 أبريل، 2024، العدد 18–20
- جعفر مسعود الحسني الندوي، الإفتتاحية، مجلة الرائد، 16 يونيو 2024 العدد 24
- جعفر مسعود الحسني الندوي، الإفتتاحية، مجلة الرائد، مايو 1–16، 2024، العدد: 21–22