الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي زهرة العلم والفكر والخلق والحب
18 مايو, 2025والدي
18 مايو, 2025من اختفى من بيننا؟
محمد أعظم الشرقي الندوي(*)
(*) مدرس بكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم لندوة العلماء (لكناؤ)
فوجئنا بنعي العالم والصحافي والكاتب الإسلامي الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي عبر موقع التواصل الإجتماعي عندما كنت في المسجد الجامع في حرم الندوة لآداء صلاة العشاء وكانت صلاة العشاء على وشك الإنتهاء اذ بدأ يرن جرس الجوال,فلم يسعني أن أرى من اتصل بي,لكن سلسلة جرس الجوال المتوالية شوشتني وأعجزتني سرعان ما حاولت أن ألقي نظرة علي رسائل تطبيق والتساب فتحيرت غير أن ذهني ماكان ان يتقبل هذا الخبر المؤلم المدهش. وبخبر هذا الفاجع ساورتنا الهموم وكان خبر وفاة الأستاذ مليئا برسائل التعازي وكلمة الاسترجاع بمجموعات مختلفة للواتساب فأيقنت بموته, وكان كل شخص مضطربا,وتلاميذه حائرين وهذا الخبر كانت كالصاعقة للأسرة الحسنية والأسرة الندوية وهم كانوا في الصمت راضين بقضاء الله وصبروا صبرا جميلاغير أنهم ظلوا يواجهون وفاة بعد وفاة في مدة قصيرة, رحل كبار الشخصيات في الأسرة ,وفي مقدمتهم ابن محمد الحسني منشئ مجلة “البعث الاسلامي” الأستاذ عبد الله الحسني الندوي, مدير تحرير “الرائد” سابقا والأستاذ محمد واضح رشيد الندوي ريئس الشؤن التعليمية لندوة العلماء, ومن كبار الكتاب والصحفيين والمدرسين بالهند, وكذلك السيد حمزه الحسني الندوي الامين العام لندوة العلماء,والأستاذ محمود الحسني الندوي نائب المدير لمجلة “تعميرحيات” الأردية, وأخيرا الرئيس العام لندوة العلماء ورئيس هيئة الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند الأستاذ محمد الرابع الحسني الندوي, وما أن جاء هذا الخبر المؤلم حتى اغرورفت عينا كل شخص, وأصدقاءه كانوا بوفاته وبفراقه يتعجبون أشد التعجب حتى يظن كل أحد منا يا ليت هذا الخبر يكذب ولا يصدق. وبفقده فقدنا انساناصالحا,معلما مشفقا,اخا عطوفا,وصديقا حميما, كاتبا ماهرا, وصحفيا أمينا, مسؤلا ذا خلق. كيف اعبر عن انطباعاتي ومشاعري عما يجول في خاطري وما يتعلق بي وبوالدي, كان يعطف علي جما إثر انتقال أبي إلى جوار ربه, يحنو علي حنو الأب ويعطف علي عطف الأخ الكبير. يطيب لي وحق لي أن ألقي الضوء علي بعض من جوانب حياته من التعليم والتدريس والآثار العلمية والدعوية والإصلاحية في هذا المقال.
مولده ونشأته:
ولد الاستاذ جعفر مسعود الندوي بن محمد واضح رشيد الحسني في دائرة الشيخ علم الله الحسني ببلدة رائي بريلي في ولاية أترابراديش الشمالية في الهند ولذا أسفر صبح حياته عام (1960م) في بيت علم ورع ودين، وفي أسرة ينتهي نسبها إلى سيدنا الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما. يتعلق الراحل بأسرة كان شعارها منذ زمن طويل الجمع بين العقيدة السلفية النقية وبين الربانية الصحيحة، فتربى الأستاذ تحت إشراف أبيه محمد واضح رشيد الحسني الندوي– رحمه الله تعالى رحمة واسعة، أحد أشهر رجال الدين واللغة والأدب في الهند، والذي توفي عام (2019م) عن عمر يناهز 95 عاماً.
مسيرته العلمية:
تلقى الاستاذ جعفر مسعود الندوي مبادئ القراءة والكتابة في المدرسة الإلهية برائي بريلي، ثم حفظ القرآن الكريم, كان حافظا جيدا وكان يؤم صلاة التراويح في مسجد “دائرة الشاه علم الله”سمعت أذني تلاوته الرائعة. ثم دخـل دار العلوم التابعة لندوة العلماء حيث تعلم اللغة العربية ونال شهادة العالمية عام 1981م، والفضيلة عام 1983م، لكنه لم يكن ينحصر علي ذلك بل ساقه إلى مزيد من الدراسات لإرواء العطش العلمي, فالتحق بجامعة لكناؤ وواصل مسيرته التعليمية وحصل على درجة الماجستير في اللغة العربية من جامعة لكناؤ عام 1986م، ثم سنحت له الفرصة للذهاب الى الخارج لينهل من منهل العلم وسافر الي المملكة العربية السعودية حيث شارك في دورة تدريبية بجامعة الملك سعود، الرياض عام 1990م، حيث قابل أعلام الادب العربي والأساتذة العرب وحضر حلقات دروسهم وهكذا ملأ فكره وذوقه بالدرر واللآلي أثناء إقامته في المملكة ولأجل ذلك كان مدرسًا ناجحًا ومعروفًا بين تلاميذه.
حياته العملية:
تشتمل حياته العملية على ثلاث خطوات: كمعلم,وصحفي, مؤلف, وداعية ومصلح، بدأ حياته العملية كمدرس للحديث النبوي والأدب العربي في المدرسة العالية العرفانية التابعة لندوة العلماء،حيث قضى فترة من الزمن في التدريس وكان محببا لدى الجميع بخبرته وتذوقه العلمي في التدريس, كان يزرع في طلابه حبّ العلم والتفوق، ويزوّدهم بالعلم والأدب والتربية الإسلامية والأخلاق الحسنة وتلاميذه معروفون وينتشرون في أنحاء الهند وخارجها. ثم بعد التقاعد عن هذه المدرسة تم تعين الأستاذ الراحل كأمين عام لندوة العلماء وأسند إليه تدريس مادة الفكر الإسلامي وبعض كتب الحديث النبوي الشريف بجانب المهام الإدارية، فكان يثقف طلابه ويهذب عقولهم, ويعرض محاضراته ودروسه بأسلوب رشيق جذاب تجذب القلوب وتسمع الآذان. والطلبة كانوا يتمتعون بدروسه المملوءة بالعلم والمعرفة.
أما حياته الصحفية فهو كان نائب المدير لمجلة “بانگ حرا” بالأردية, ثم تولى رئاسة تحرير صحيفة “الرائد” عام 2019م، بعد وفاة رئيس تحريرها ووالده الأديب الأريب محمد واضح رشيد الحسني رحمه الله، وكان يكتب افتتاحية الرائد بأسلوب رصين ملائم لطبيعة العصر. كان يكتب من ذي قبل باسم “ركن الاطفال” في الصفحة الأخيرة في نفس هذه الصحيفة “الرائد” كان له أسلوب منفرد وممتع وكان قلمه السيال يجري بالأردية بسرعة مثلما يجري بالعربية ومما لا يتطرق إليه شك أن أسلوب كتابة الأستاذ الراحل كان يصطبغ بصبغة الكاتب الشهير باللغة الأردية المفسر عبد الماجد الدريابادي. وكذلك استقى الأستاذ من الفكر النير لوالده، ونظرته الثاقبة، وغيرته الدينية، وحميته الإسلامية، وفراسته الإيمانية، وأسلوبه الدعوي والتربوي الحكيم، والاستنارة بنور القرآن وهديه والاستدلال به, وكتب وكأنه يغمس قلمه في مداد من نور وإيمان وحبر من عاطفة وإيقان. كانت كلماته أكثر عمقًا واتزانًا، تعالج قضايا الفكر والواقع بأسلوب يزاوج بين البيان والبديهة. ومع مرور الوقت، تدرّج في مسيرته حتى تولى كتابة افتتاحيات “الرائد”، فأتقن فنّ الخطاب الصحفي بأسلوبٍ مختلف، يجمع بين الحكمة والرصانة.
مولفاته:
وفي هذا المجال كانت له مولفات عديدة في الأردية والعربية, أما في مجال الترجمة، فقد أبدع الشيخ في نقل النصوص من الأردية إلى العربية، من أبرز أعماله المترجمة: “في مسيرة الحياة”، ترجمة لكتاب “کاروان زندگی” للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، و”الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي: حياته ومنهجه في الدعوة” للشيخ محمد الثاني الحسني، و”الإمام المحدث محمد زكريا الكاندهلوي ومآثره العلمية” للشيخ أبي الحسن الندوي، جاءت هذه الترجمات بأسلوب متين ودقيق، يظهر فهمه العميق للنصوص وروحه العلمية المخلصة وأخيرا صدر كتابه “خواطر” بعد وفاته, هذه مجموعة افتتاحيات الرائد وكذلك نشر كتابه باسم “فكرونظر”قبل عدة سنوات هي مجموعة من المقالات التي كتبها المؤلف في المجلات الأردية المختلفة أو الصحف اليومية.
أما علاقته الدعوية والإصلاحية فكان يقوم بدرس القران الكريم في مسجد أمين آباد بمدينة لكناؤ، وكانت تجري هذه السلسلة المباركة في أيام رمضان خلال اقامته في قرية رائي بريلي. كان يهتم بذلك اهتماما بالغا,يعرض دروسه بالمواظبة ويزود بمعلومات قيمة الحاضرين بشكل جيد وبطريق سهل لكي يفهم الجميع.انه كان قد بدأ سلسلة كلمات الإصلاحية والدعوية عبر قناة يوتوب باسم “محادثات مفيدة” كان فيها يقدم نصائح قيمة وآراء مفيدة في ضوء حكاية او قصة يحكيها نفسه كمزيع بارع. لم يكن خطيبا ولكنه كان أخذ يخطب بعد تولى مسؤلية ندوة العلماء ويخطب الطلاب بمناسبات عديدة في رحاب ندوة العلماء, ثم يدعى ببرامج مختلفة والحفلات التعليمية التي أقيمت في مدينة لكناؤ وخارجها, يستخدم في خطبه جملا سهلة ويختار ألفاظا بسيطة مراعيا نفسية المخاطبين ونظرا للحاضرين.وكيف لا يحدث مثل ذلك فإنه قضى طول حياته في مجال العلم والأدب وترعرع في كنف أبيه العلامة السيد محمد واضح رشيد الندوي أما اضطلاع الشيخ باللغة العربية فدحدث عن البحر ولا حرج.
فنسأل الله سبحانه للفقيد الرحمة والرضوان، وأن يسكنه الله سبحانه فراديس الجنان، وأن يرزق أهله الصبر والسلوان، ويخلف المسلمين عنه وعن أمثاله من علماء الأمة الإسلامية وأدبائها. إنا لله وإنا إليه راجعون.