الخطيب المصلح جعفر مسعود الحسني الندوي
18 مايو, 2025الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي زهرة العلم والفكر والخلق والحب
18 مايو, 2025رجل خليق فقدناه
محمد عمر عثمان
لقد أنجبت الهند عبر تاريخها الطويل جماعة من العلماء المخلصين وصفوة من رجال القلم والبيان الذين جمعوا بين علوم الدين واللغة والأدب، واشتهروا بتضلعهم باللغة العربية وقدرتهم الفائقة، وساهموا بأعمالهم الأدبية في إحياء التراث الإسلامي ونشر الدين الإسلامي الحنيف وقيمه العادلة السمحة، وكانوا خير سفراء لهذا اللسان الشريف في بلاد الهند. ومن بين هؤلاء الكتاب الأفذاذ الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي رحمه اﷲ تعالى.
فجعت الأمة الإسلامية الهندية برحيله مساء يوم الأربعاء 14/7/1446هـ الموافق 15 من يناير 2025م في حادث صدمة سيارة في مدينة رائ بريلي عن عمر ناهز الستين عاما، قضاه في التدريس والتأليف وإرشاد الناس إلى طريق الهدى وارتحل عن دنيانا تاركا وراءه ثروة قيمة من العطاء العلمي والفكري والتربوي.
كانت شخصية الأستاذ –رحمه الله– شخصية تتسم بالعلم والعمل والصدق، ونموذجا فذا لأهل الدعوة والإصلاح الذين جمعتهم صفات العلم والتواضع والإخلاص والوسطية، وكيف لا يكون ذلك!! وقد ولد في أسرة عريقة ذات نسب أصيل وتربى على أكناف العلماء الفطاحل ونشأ على القيم الإسلامية المتينة السمحة التي شكلت شخصيته منذ الصغر، لم يكن مجرد عالم لاهتمامه فقط بعلوم الدين والأدب، بل كان أستاذا مرموقا يحتذى به في الجمع بين الأخلاق الحميدة والقدرة على التربية الدينية، واستيعاب متغيرات العصر.
لقدكان الأستاذ – رحمه الله – موسوعة فكرية متحركة، متقنا لفنون اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة، ومتميزا في الكتابة الأدبية التربوية، كان يجيد الكتابة في اللغتين العربية والأردية على السواء، يمتاز أسلوبه بالجمع بين العمق والسهولة ورصانة التعبير، وعذوبة اللغة، كان من أبرز الكتاب والأدباء في الهند، والحق منذ أن كان مدرساً ومعلماً في مدرسة دينية يغرس في تلامذته وطلاب علمه بذور العلم واللغة العربية والخلق الحسن، فالفقيد الكريم كان متصفا بأخلاق عالية وشمائل كريمة، كان مثالا للبساطة والصمت، عدوا للتكلف حاملا للقيم العالية بسيطا في عاداته، لين الكلام، ممتلئا بالأفكار، كان في صفاته كالوردة الشذية التي تفوح رائحتها في الأرجاء، فتنجذب إليه القلوب، بعيدا كل البعد عن الرياء وأشد بعداً عن التباهي، وفي آخر عمره لم يزل مشتغلا بالوعظ والخطابة باللغة الأردية حتى صار من أبرز الخطباء، كانت خطبه قوية ومؤثرة على القلوب، يرتقي بها إلى معاني الإيمان واليقين، حرص على خدمة الفقراء والمحتاجين وبذل جهده في تعليم الناس وتوعيتهم بواجباتهم الدينية والدنيوية.
كان الأستاذ الندوي مثالا للعالم العامل الذي لا يتوقف عن الدعوة والتدريس والتأليف، وظل صوته طول حياته يتردد في المحافل كمنارة تنير طريق الحائرين، وقد جمع في شخصيته جمال الظاهر والباطن، عاش حياته في رحاب القرآن والسنة النبوية محطا بالمحبة والاحترام من كل من عرفه، لم يكن يسعى للشهرة أو الرياء، بل كان همه الأول رضا الله وخدمة أمته.
كان مثالا للزهد والعفاف، ومتمسكا بالهداية القرآنية والسنة النبوية الشريفة، يغشاه الحنان والمحبة بالناس، ويتمثل بالصفات الحميدة والأخلاق الحسنة والتواضع، فكانت حياته تعكس قول النبي صلى الله عليه وسلم: “وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: التقوى وحسن الخلق” فإنه يعامل مع الآخرين معاملة الناصح وصاحب الخلق الحسن، ويبذل قصاري جهوده في خدمة الفقراء والمساكين، ويواسي أهله وذويه، وينفق على الفقراء وذوي الحاجة في السر خاصة كما عرفه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”، حتى سمعت بعض الإخوان يتمنون ويقولون: ليتني أموت وهو يحيى، وهذا لأنه كان يحمل على كواهله نفقة بيوتهم كاملة.
عن المرأ لا تسأل وسل عن قرينه | فكل قرين بالمقارن يقتدى |
ويلاقي كل من يلقاه بوجه طليق متوسما غير ملل ولا سآمة، ولماذا لا يكون خليقا فإنه من أسرة علمية كريمة الحسب، شريفة النسب، عالية الهمة، متمسكة بالشريعة والسنة ومبتعدة عن الشرك والبدع.
رحمه اﷲ رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته وجعله في الفردوس الأعلى.