رجل قرآني فقدناه
18 مايو, 2025الخطيب المصلح جعفر مسعود الحسني الندوي
18 مايو, 2025ا لأستاذ جعفر مسعود الحسني وكتابه “أخي العزيز”
محمد خالد الباندوي الندوي(*)
(*) مدرس كلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم لندوة العلماء
كان الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي كاتبًا بارزًا، وفارسًا من فرسان العلم والأدب، قد رزقه الله سبحانه وتعالى عقلاً حصيفًا وفكرًا مستقيمًا وطبيعة صافية، عجنت طينتها بحب الأدب وأهله، أغرم بفضل نشأته في الأسرة العلمية بخدمة الدين عن طريق العلم والأدب، لذا ظل طول حياته عاكفًا على تنوير عقول الناشئة المسلمة بالآداب الإسلامية العالية، وتزويد نفوسها بالقيم الدينية الثابتة، وترشيدها إلى ما تحتاج إليه من توجيهات ونصائح، وإرشادات في سبيل التعليم والدراسة.
كان الشيخ الندوي بسيطًا في حياته وتعامله مع الناس، وكان أسلوبه في الكلام واضحًا وصريحًا، كان قليل الكلام لكنه يشتمل على المعاني الدقيقة، ولم يكن يحب التصنع والتكلف حتى بعد توليه منصب أمين عام لندوة العلماء ظل على طبيعته تلك يجمع بين التواضع والعظمة الأخلاقية.
كتب الأستاذ الندوي مقالات علمية وأعمالا أدبية، تجمع بين العمق والسهولة، وحسن العرض، وكان يتمتع بأسلوب فريد في الكتابة يدمج بين التراث الإسلامي واللغة المعاصرة، ومن أهم أعماله العلمية: (1) تعريب كتاب ” في مسيرة الحياة” للشيخ الندوي (2) تعريب كتاب الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي حياته ومنهجه في الدعوة للشيخ محمد الثاني الحسني الندوي(3) الإمام المحدث محمد زكريا الكاندهلوي ومآثره العلمية للشيخ أبي الحسن الندوي، وكتاب “أخي العزيز” وكتاب” خواطر”. ونخص بالذكر في هذا المقال كتابه” أخي العزيز”
كتابه “أخي العزيز”:
إن كتاب “أخي العزيز” للأستاذ جعفر مسعود الندوي من الأعمال البارزة في أدب الأطفال، كتبه المؤلف بأسلوب تربوي بناء، مستهدفًا الشباب بشكل خاص، وإن هذاالكتاب يعكس اهتمام المؤلف بتوجيه النشء الجديد وتثقيفه بمنهج جذاب مؤثر، وقد راعى فيه المؤلف جميع ما يجب في سبيل تربية براعم الإيمان، واستخدم قواه الفكرية والأدبية والبيانية كالطبيب الحكيم، وقد أحسن عمُّه الكريم الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي –رحمه الله –التعريف بهذا الكتاب في مقدمته له حين قال:
” فإن الرائد مدرسة تعليم وتدريب على الكتابة والصحافة الهادفة، وقد تخرج الطلاب في هذه المدرسة كُتَّابا وأدباء باللغة العربية، وهى توفر غذاء صالحًا وزادًا طيبًا لطلاب اللغة العربية، وفي مجال الصحافة العربية الإسلامية الهادفة، وممن ساهموا في تأدية هذه الوظيفة ابن أخي العزيز جعفر مسعود الحسني الندوي، وقد كلفه أبوه الجليل أخي الحبيب الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي –رحمه الله– عام 2003م بالكتابة في “الرائد” بشكل دائم في ركن الأطفال الذي بدأ في العام نفسه، واستمر في الكتابة في هذا الركن بعنوان ” أخي العزيز” إلى ديسمبر عام 2018م، وقد نال هذا الركن قبولاً عامًا، وبخاصة تلقاه طلبة المدارس العربية بالترحيب والاستفادة، وها هو يقدم ما كتبه في هذا الركن الذي يعرف الآن باسم ” براعم الإيمان” في كتاب مستقل لتعم الفائدة، أرجو أن يكون هذا الكتاب المشتمل على كلمات علمية وأدبية شائقة بأسلوب جميل مؤثر سائغ، مفيدًا ومعينًا في تعلم الكتابة باللغة العربية وطريقة عرض الأفكار والآراء، والمشاعر والعواطف، والتعليق على الأحداث والأنباء، والتعبير عما يشاهده القارئ في مجتمعه من قضايا ومشاكل أو ما يقع حوله من أحداث وأزمات”.
(من مقدمة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي: 4/5)
فقد تبين أن الكتاب يأتي في شكل رسائل أخوية موجهة للشباب بعنوان “أخى العزيز” في صحيفة “الرائد” وكان الكاتب يخاطب فيه الشباب كأخ ناصح أو صديق حميم، يتناول في هذا العمود لـ”الرائد” موضوعات متنوعة تتعلق بالشباب في حياتهم في رحاب المدرسة وخارجها، ويتوخى من خلالها أن يصنع منهم جيلا يعرف نفسه ويدرك قيمته وقدره في العالم، ويعرف سمو رسالته التي ألقيت على كواهله، “رسالة إسلامية رفيعة دقيقة الأهداف، ممهدة الأطراف” وإن جميع ما كتبه في هذا العمود إنما كتبه ليكون غذاء للعقول ومدادًا للأقلام، وحافزًا للقرائح.
ومن أهم الموضوعات التي تطرق إليها في عمود “براعم الإيمان” نستطيع أن نلخصها في أهداف بارزة:
- أهمية بناء الشخصية الإسلامية
- التعامل مع التحديات اليومية
- دور الأخلاق والقيم في حياة الفرد
- الوعي بالتغيرات الفكرية والثقافية في العصر الحديث
- تعزيز الثقة بالنفس وربطها بالإيمان بالله
ألفه الكاتب بأسلوب الرسائل حيث يخاطب القارئ وكأنه قريب منه، هذا الأسلوب يمنح الكتاب طابعًا شخصيًا ويدفع القارئ للانتباه والتفاعل، ونقدم فيما يلي نموذجًا لكتابته، يتجلى فيه أسلوبه السهل السائغ، والفكرة التي توافق مستوى الطلبة، وهو يوازن بين الحياة المادية ومتطلباتها وبين الروحيانة والقيم المعنوية مما يساهم في بناء حياة متكاملة، وذلك كله في أسلوب سهل ماتع يقول:
“أخي العزيز! لو فكرنا في حياتنا لوجدنا أن كثيرًا منا يعيش حياة جامدة آلية يستيقظ فيفطر، ثم يذهب إلى عمله…. حتى إذا جاء وقت الغداء عاد إلى بيته وتغدى وحيدًا أو مع أهله وذويه، ثم يزاول عمله حتى إذا أقبل الليل انصرف إلى منزله واضطجع ونام، ينام ليزيل به همه، ويروح به نفسه، ويخفف به تعبه وعناءه، ويبدأ اليوم المقبل بنشاط وحماس ليجني ثمار جهده من جديد، ويغطى جسمه بلباس قشيب، ويملأ بطنه بطعام لذيذ، ويشيد منزله برخام ملون متين، ويعلق على جدرانه ستائر من الحرير، ويضع فيه مقاعد وثيرة، ويشتري سيارات فاخرة من أحدث طراز، ويودع في حسابه في المصرف مبالغ طائلة، وينال من الناس الإعجاب والتقدير… فهذه الحياة التي يعيشها كثير منا حياة مادية تخضع للمعدة والنفس، وتدور حول المكاسب والأرباح والمطامح والمصالح، وتخلو من الشعور والوجدان، والقلب والعاطفة، ولا يرضى عنها الإسلام أبدًا”. (كتاب أخي العزيز: 25)
ففي هذه الفكرة التي قدمناها، حاول المؤلف أن يقوم بتصحيح مفهوم السعادة في نفوس الشباب، بأن السعادة تكمن في الجمع بين العقل والقلب، والروح والمادة، والشعور والعاطفة، والفهم والعمل، وهو يقدم الإسلام كمنهج جامع شامل يدعو إلى العدل والإحسان، والمساواة والتسامح، مما يجعل الحياة أكثراعتدالاً وتوازنًا.
يعتمد الأستاذ الندوي في كتابته على لغة سهلة واضحة مع الابتعاد عن التعقيد، ويكثر من الجمل القصيرة المبنية على الحكمة البالغة التي بناؤه من السجع القصير، وبفضل بساطته يظل الأسلوب عميقًا مؤثرًا في نفوس الشباب، اقرأ على سبيل المثال ما كتبه تحت عنوان ” لتكون أسعد الناس”:
“ما مضى فات، وما ذهب مات، فلا تفكر فيما مضى، فقد ذهب وانقضى. لا تنتظر شكرًا من أحد، ويكفى ثواب الصمد، وما عليه ممن حجد وحقد وحسد. إذا أصحبت فلا تنظر المساء وعش في حدود اليوم، واجمع همك لإصلاح يومك. طهر قلبك من الحسد ونقه من الحقد وأخرج منه البغضاء، وأزل عنه الشحناء. عليك بالجود، فإن صدر الجواد منشرح، وباله واسع، والبخيل ضيق الصدر مظلم القلب وكدر الخواطر” (أخي العزيز: 192–194).
من أكبر ما يميز كتابته أنه يحاول أن يمس مشاعر القارئ بلغة مليئة بالعاطفة والاحترام بمشاعر القارئ مما يجعله يشعر بأن المقال كتب خصيصًا له، إذ كل مقال له في عمود “براعم الإيمان” لم يبدأ إلا بالتحية والسلام على القارئ، ثم مخاطبة الكاتب بهذه الكلمة الحلوة الساحرة ” أخي العزيز”.
يعتمد في الكتاب على ذكر قصص حقيقية وأخرى رمزية لتوضيح الأفكار، وإن هذه القصص معظمها مستوحاة من التاريخ الإسلامي، أو من الحياة اليومية.
يتخلل الكتاب استشهادات بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية مما يضفى على النص طابعًا دينيًا أصيلاً ومصداقية فكرية.
وإن هذا الكتاب أكبر دليل على فهم الكاتب لواقع الشباب وتحدياتهم، فيتناول قضايا معاصرة مثل تأثير الغرب، والاغتراب الفكري وكيفية الحفاظ على الهوية الإسلامية وسط هذه التحديات الفكرية.
وصفوة ما قلناه في هذا المقال أن كتاب “أخي العزيز” نموذج فريد للكتابة التربوية التي تجمع بين الإرشاد الديني، والحفيز الشخصي، إنه فريد في أسلوبه، فريد في بساطته، وجمعه بين الأخوة والمحبة والتوجيه، فريد في لغته الحلوة مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يتلقى النصائح من أخ كبير محب، الكتاب يبقى ذا صلة قوية للشباب الباحثين عن الهداية والنصح في ظل التحديات المعاصرة.