الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي عاش حياته كاتبًا عربيًا مبدعًا (في ضوء كتاباته في صحيفة الرائد العربية)
18 مايو, 2025السيد جعفر مسعود الحسني الندوي (رحمه الله) مسيرة إبداع متأخر وعطاء مثمر
18 مايو, 2025يا عين جودي بالدموع على جعفر ولا تجمدي
عبد المتين الندوي(*)
(*) مدرس بكلية اللغة العربية وآدابها بدار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ.
بينما كنت غريقا في مطالعة الكتاب “الأدب العربي بين عرض ونقد” للشيخ الأستاذ محمد الرابع الحسني رحمه الله وخائضاً في البحث عن معاني أبيات أبي الطيب المتنبي في رثاء أم سيف الدولة:
ما للجديدين لا يبلى اختلافهما | وكل غضٍّ جديدٍ فيهما بالِ |
يا من سلا عن حبيب بعد ميتته | كم بعد موتك أيضا عنك مِن سالِ |
ما حيلة الموت إلا كل صالحةٍ | أو لا فما حيلةٌ فيه لمحتالِ |
وكانت الساعة الثامنة مساءً إذ جاء ابني الأصغر محمد معاذ ۔متعه الله بالصحة والعافية سعياً وكان مذعوراً ومندهشاً يا أبي! تُوفي الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي –رحمه الله– وهو لا يعرف كيف كان ذلك، فلما سمعت منه هذا الخبر، كذبته أولاً، وقلت له: يمكن أن سمعتَ عن نعي أي رجل آخر. لكن لما اتصلت هاتفياً بأخينا محمد طه أطهر الندوي وكان باكيا فصدّق الخبر، وقال: نعم! انتقل إلى رحمة الله في حادث سير، فلا تسألوني عن حزني وقلقي وأسفي وبكائي عليه، لأنني قد عرفته وكنت طالبا في دار العلوم لندوة العلماء، ومع مرور الأيام توثقت صلتي به وتقوت وأغرمت به لأنني وجدته دائماً طلق الوجه، متواضع النفس، صافي الفؤاد، لين الطبيعة، زاهدا كل الزهد في الدنيا، وراغبا شديد الرغبة عن اكتساب السمعة والشهرة، وبعيدا كل البعد عن الغيبة وفارغ الكلام، وحريصا شديد الحرص على إسعاف البائسين وذوي الحاجة، وتاركاً لما لا يعنيه، وكان يعتقد أن الحياة العملية النموذجية أكثر تأثيرا من الحياة الخالية من العمل وأن لسان الحال أبلغ من لسان المقال، وكان يتعامل مع الناس بحكمة نادرة.
كان الفقيد المولود م1960 – رحمه الله – ينتمي إلى أسرة متأصلة جذورها في المجد والفضل والعلم إلى آخر مداه وقد نبغ فيها كثير من جهابذة الفضل والزهد والورع يندر نظيرهم في الأسر الأخرى في الهند، من أشهرهم وأعظمهم شأنا السيد علم الله الحسني، والشيخ السيد أحمد بن عرفان الشهيد وهو أول من أشعل في قلوب الهنود شعلة الإيمان والورع والتقوى ورفرف راية الجهاد في الهند ضد الإنكليز والسيخ (Sikh) والمرهتة الذين ضيقوا الحياة على المسلمين في الهند في ذلك الزمان، وأعلى كلمة الله فيها، ومؤرخ الهند الكبير العلامة الشريف عبد الحي الحسني صاحب “نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر” والعلامة أبو الحسن علي الحسني الندوی الذي نال صيتا عظيما في العالم ومكانة مرموقة في مجال العلم والأدب والدعوة والإرشاد والكتابة والتأليف، وأقر بفضله وكماله كبار علماء العرب والعجم ومنح جوائز قيمة من قبل الحكومات المتعددة، ومنهم الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي، والشيخ محمد الثاني الحسني، والكاتب الإسلامي المعروف محمد الحسني، والشيخ السيد محمد الواضح الرشيد الحسني الندوي والد الفقيد رحمه الله، كلهم كانوا من كبار الكتاب الصحفيين وكانت لهم سمعة طيبة في مجال الصحافة، والأدب، والبحث والتحقيق، ومواجهة الغزو الفكري، والكشف عن قناع المستشرقين والجماعات الضالة المضلة في العالم.
قد نشأ الراحل الفقيد جعفر مسعود الحسني في هذا الجو العلمي وترعرع وتربى في أحضان هؤلاء الجهابذة والعباقرة. واستقى من ينابيعهم العلمية الفياضة، ولم يكد يتخرج في دار العلوم لندوة العلماء إلا وعرف في أقرانه بفكره المستنير، وأسلوبه الحكيم، وحلمه وأناته، وسلوكه وخلقه الحسن، ونصحه للجميع، وإرشاده وتوجيهه لكل من يحتاج إلى الإرشاد والتوجيه. وأكبر دليل على رجاحة عقله وحذاقة علمه أنه درَّس في المدرسة العرفانية العالية 40 سنة ودرّس خلال تلك المدة الطويلة كتب الحديث والتفسير والأدب ولم يشك أحد من تلاميذه لقلة التفهيم للدرس وعدم ترسيخه في أذهانهم بل كل من تلمذ عليه مرة ودّ أن يتلمذ عليه مرارا وتكرارا، والسر في ذلك أنه كان دائما باذلا جهده في سبيل إفادة الطلاب بعلمه الغزير ومعرفته الواسعة وتربيته الرشيدة وتحليتهم بالأخلاق الفاضلة والأهداف السامية.
ولما أُحيل على التقاعد قبل سنتين أختير أمينًا عامّا لندوة العلماء، فقام الراحل بهذه المسؤولية بكل أمانة ومواظبة ولم يأل جهدا في أداء وظيفته وبذل في سبيله كل غال ورخيص وصرف أوقاته في سبيل تنميتها وتطويرها ولم يعبأ بما جاء في سبيله من العوائق والمشاكل وتحملها كلها بكل شوق ورغبة.
فخلاصة القول إن الفقيد رحمه الله كان متصفا بصفات عباد الرحمن الذين جاء ذكرهم في سورة الفرقان في القرآن الكريم، واستأثرت به رحمة الله بعد ما قضى حياة حافلة بالعطاء، أغدق الله عليه شآبيب رحمته وأحسن مثواه وحشره مع الأبرار والأتقياء والشهداء والصالحين.