جعفر مسعود الحسني الندوي مربيًا كريمًا وداعيًا حكيمًا
18 مايو, 2025ذكرياتي مع المرحوم الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي صفحات من العلم والتربية
18 مايو, 2025الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي والصحافة العربية
الدكتور محمد طارق(*)
(*) قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة لكناؤ، لكناؤ.
المدخل:
بدأت حركة ندوة العلماء عام 1892م وأسس علماؤها دار العلوم التابعة لها واهتمت هذه الدار اهتماما بالغا باللغة العربية عن طريق تعليمها وترويجها وذلك لفهم القرآن والسنة وخدمة الإسلام كما وجهت عنايتها إلى تعليم هذه اللغة كلغة حية يكتب بها ويخطب بها. ومع ذلك، لعبت هذه الدار دورا هاما في تطوير الصحافة العربية في الهند عن طريق إصدارمجلة “الضياء”(1) ومجلة “البعث الإسلامي” وصحيفة “الرائد” وأنجبت عددا من الصحفيين الكبار، ومن بينهم الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي (1965– 2025م)، حيث تم نشر المجموعتين له: “أخي العزيز” و”خواطر” لمقالاته التي نشرت في صحيفة “الرائد”، تحت عمودي “أخي العزيز” و”الافتتاحية”. وهو ابن الشيخ واضح رشيد الحسني الندوي (1933– 2019م)(2) حيث كان للشيخ واضح أيضا دور هام في تطوير الصحافة العربية. فكان صحفيا ابن صحفي.
والجدير بالذكر أن الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي (1929– 2023م)(3) كان أخا لأبيه الشيخ محمد واضح رشيد الندوي وأبا لزوجته. فهكذا ترعرع الشيخ في بيئة علمية أدبية إسلامية تحت رعاية كبار العلماء.
الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي:
قد ولد الشيخ جعفر (1965– 2025م) في الأسرة الحسنية وحصل على الدراسات الابتدائية من علماء أسرته. وبعد حفظ القرآن الكريم، حصل على شهادتي العالمية (عام 1981م) والفضيلة (عام 1983م) من دارالعلوم التابعة لندوة العلماء إلى جانب حصول شهادة الماجستير من جامعة لكناؤ، كما ذهب إلى المملكة العربية السعودية عام 1990م وحصل على الشهادة في التربية.
واستهل الشيخ حياته العلمية بوظيفة التدريس من المدرسة العرفانية الواقعة بلكناؤ وله يد طولى في التدريس والإدارة وتم تعيينه كرئيس التحرير لصحيفة “الرائد” بعد وفاة والده الشيخ واضح رشيد الحسني الندوي عام 2019م. وأنه كان عالما دينيا وصحافيا خبيرا حيث ترك آثارا قيمة ومن يبنها تراجم للسير والمجموعتين لمقالاته. ولها أهمية كبرى عند أهل العلم والأدب في داخل البلاد وخارجها.
إلى جانب رغبته في الصحافة، قد ترجم عدة كتب من الأردوية إلى العربية، فيحسن بنا أن نقف قليلا عند ترجمته قبل أن نكتب عن صحافته. كما ترجم الجزء الثالث لـ “مسيرة الحياة ” للشيخ أبي الحسن علي الندوي. هذا سجل لما وقع في شبه القارة الهندية بصفة خاصة وفي العالم العربي الإسلامي بصفة عامة، من أحداث جليلة، ووقائع مهمة، وتطورات حاسمة وماعرض من قضايا شائكة عن طريق حضوره في مؤتمرات في داخل الهند وخارجها في صورة سيرة ذاتية للشيخ أبي الحسن علي الندوي وقد جاء في هذا الجزء ما احتوى عليه الجزء الرابع والخامس من الأصل بالأردوية لـ “مسيرة الحياة”(4). هكذا كتاب “سوانح يوسفي” الذي ألفه الشيخ محمد الثاني الحسني (المتوفى 1982م) وهو حافلة بحياة الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي إلى جانب تقديم تاريخ جماعة الدعوة والإرشاد وقد قام بتعريب هذا الكتاب الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي فأحسن وأجاد. والجدير بالذكر أنه بذل ما كان في سعه من الجهد أن يكون التعريب مفهوما لدى العرب(5). وقد قام بتعريب تأليف الشيخ أبي الحسن علي الندوي: “محمد زكريا الكاندهلوي؛ ومآثره العلمية” فأحسن وأجاد. هذا الكتاب يبرز جوانب عظيمة لهذه الشخصية الجليلة من خلال دراسة حياته وأفكاره، حيث يقول المترجم أنه سعى أن يكون التعريب مفهوما لدى العرب أيضأ(6).
هذا ومع ذلك أنه كان صحافيا بارعا مع الذوق السليم والأسلوب السليس وكتب عدة مقالات في اللغتين: الأردوية والعربية وألقي الضوء على الصحافة العربية تحت “الصحافة العربية” بعد كتابة عن مجموعة مقالاته التي تم إصداره عام 2015 م باسم “دعوت فكرونظر” (الدعوة إلى التفكير والتدبير). وقد نشرت هذه المقالات في أعداد شتى للصحف والجرائد الأردوية: “راشتريا سهارا” و”تعمير حيات” وغيرهما(7)، حيث دعا إلى التفكير عن طريق هذه المقالات في أسلوب انعكس فيه أسلوب الشيخ عبد الماجد الدريابادي. وأشارفيها إلى مؤامرة خفية من قبل أعداء الإسلام إلى جانب الدعوة إلى التقكيرفي إصلاح المسلمين.
الصحافة العربية:
كان الشيخ جعفر يعتقد بأن الصحافة وسيلة للإصلاح ويتخذها كأداة لإبلاغ آرائه ونشر أفكاره ودعوة الناس إلى طريق الخير والصلاح ولذلك أراد إلى السير في هذا الطريق حيث كان عضوا لهيئة التحرير لصحيفة “الرائد” وكان يكتب فيها مقالات لإصلاح المسلمين ومعالجة الأمة الإسلامية مع الإشارة إلى مؤامرة أعداء الإسلام حيث تم تعيينه كرئيس التحرير لصحيفة “الرائد” بعد وفاة أبيه الشيخ واضح رشيد الندوي عام 2019 م. إن هذه الصحيفة ترفع لواء نفس الرسالة التي تدعو إليها مجلة “البعث الإسلامي” ولا شك أن للرائد إسهامات ملموسة في تطوير الصحافة العربية في شبه القارة الهندية وصدرت لتمثل النادي العربي لطلاب دارالعلوم التابعة لندوة العلماء، وعمل في تحريرها كل من الشيخ محمد الرابع الندوي والدكتور سعيد الأعظمي وانضم إلى هيئة التحرير الشيخ محمد واضح رشيد الندوي وأصبح الشيخ واضح رئيس التحرير لها عام 1974 م حتى أن يتوفى عام 2019م ثم إبنه الرشيد جعفر مسعود حتى أن يتوفى عام 2025 م. ولاشك أن هذه الصحيفة لعبت دورا هاما في تربية الذوق العربي وتعميمه في الشباب وتشجيعهم على الكتابة باللغة العربية ولايزال يساهم الشباب بكتاباتهم عن داخل الدار وخارجها، كما لعبت دورا بارزا في تطوير قدرتهم على الكتابة في اللغة العربية إلى جانب إصلاح المسلمين، وترشيدهم إلى توجيهات ونصائح وإرشادات في التعليم والدراسة كما يكتب العلماء فيها تحت أعمدة شتى. ومن بينها عمود “أخي العزيز” للشيخ جعفر مسعود الحسني.
أخي العزيز:
كما ذكرنا فيما سبق أن الشيخ جعفركان عضوا لهيئة التحرير لصحيفة الرائد التي بدأ إصدارها عام 1959م لتربية النشء المسلم إلى ما يحتاج من توجيهات ونصائح وإرشادات في سبيل التعليم والدراسة وخاصة بتعلم اللغة العربية وكان يكتب فيها مقالات لإصلاح المسلمين ومعالجة الأمة الإسلامية مع الإشارة إلى مؤامرة الأعداء، وقد كلفه الشيخ محمد واضح رشيد عام 2003 م بالكتابة في صحيفة “الرائد” في “ركن الأطفال” الذي بدأ في نفس العام في صفحاتها، حيث تغير اسمه فيما بعد إلى “براعم الإيمان” واستمرفي الكتابة في هذا الركن تحت عنوان “أخي العزيز” إلى عام 2018 م وقد تلقى هذا الركن بقبول وترحيب. وهذه مجموعة مقالاته التي تم نشره باسم ” أخي العزيز” ويكتب عن والده المحترم الذي لعب دورا هاما في تربيته وإثارة الرغبة في الكتابة: “فإذا وجدت – أيها الأخ – في الكتاب ما ينفعك، أو يعجبك، أو يؤثر فيك، أو يدعوك للتفكير فيرجع ذلك كله إلى والدي الذي قل نظيره في إعداد النفوس، وتغذية العقول، وصقل المواهب، وإثارة الرغبة في الكتابة، وتنمية الملكة البيانية، وإعطاء الفرص لتلامذته… فجزاه الله عنا خير الجزاء، وأحسن مثواه، وأدخله فسيح جناته وجعله من الصدقين والشهداء والصالحين(8). ” وأذكر بعض عنواوين هامة من فهرس المحتويات لمجموعة مقالاته باسم “أخي العزيز”: “شهررمضان وحقه” و”العيد الحقيقي” و”حاسب نفسك” و”قصص القرأن الكريم” و”الصمت أجمل للفتى” و”كل جديد ليس بلذيذ” و”حق المسلم على المسلم” و”وبالوالدين إحسانا” و”السعادة والشقاء” و”ساعة مع العارفين” و”الأمن في الإسلام” و”رسالة الهجرة” و”المجتمع الإسلامي” و”التربية الإسلامية” وغيرذلك. ولاشك أن هذه العناوين تشير إلى أهمية المجموعة.
خواطر:
إن هذا الكتاب الذي سماها بـ “خواطر” يعد أيضا مجموعة مقالاته يضم بعض ما كتبه في صحيفة “الرائد” بعد وفاة والده الجليل 16 من شهر ينايرعام 2019 م، كما أصبح رئيسا للتحرير لهذه الصحيفة في نفس العام. وصدرت هذه المجموعة بمقدمة رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية الدكتور الحسن الأمراني الحسني بالكلمة القيمة الرفيعة كما يقول عن هذه المجموعة: “…هذا كتاب جليل النفع، جميل الوقع، ألفه الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي، واختار له اسم “خواطر” وعالج فيه عددا من القضايا التي عرضت لخاطره في مناسبات متعددة، بأسلوب ميسر وعميق والطابع العام لهذه الخواطر هو الإصلاح، في وجوهه الخلقية، والاجتماعية، والسياسية، والحضارية.
إن قارٍئ هذا الكتاب يحس بأن الهدف من تأليفه هو نهضة الأمة، واستعادة رسالتها في خدمة الإنسانية”(9).
إن هذا الكتاب الصادر من دار الرشيد بلكناؤ يحتوي 235 صفحة ومن أهم عناوينه: “مفهوم الحرية في الإسلام” و”الطريق إلى النصر” و”إلى حقيقة الإيمان وحلاوته” و”رمضان شهر الرحمة والمغفرة” و”الخطر الأكبر” و”أمة الشهادة على البشرية” وغيرذلك.
الخاتمة:
لاريب أن هذا الخريج من مدرسة الداعية الكبير الشيخ أبي الحسن علي الندوي الذي أكد في هاتين المجموعتين لمقالاته: ” أخي العزيز” و” خواطر” على أن سبب الخراب والضياع هو البعد عن الإسلام، قد لعب دورا هاما في إيقاظ الوعي الإسلامي ولإصلاح الفساد في المجتمع في داخل الهند وخارجها عن طريق صحافته في أسلوب جيد مع جودة الصياغة، كما انتخب الألفاظ التي فيها سلاسة وعذبة، حيث يدل أسلوبه على وعي عميق بطبيعة اللغة العربية. اللهم اجعله من الصالحين.
الهوامش:
- الأعظمي، سعيد، الصحافة العربية ؛ نشأتها وتطورها، ط/1، لكناؤ: مؤسسة الصحافة والنشر، 2009م، ص: 50.
- وكان الشيخ واضح رشيد ابن أخت الداعية الشيخ أبي الحسن علي الندوي وله مؤلفات عديدة حول الأدب العربي والفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية ومن بينها مصادر الأدب العربي، وأدب الصحوة الإسلامية، ومن صناعات الموت إلى صناعات القرارات وغيرها وكان يكتب في مجلة البعث الإسلامي تحت عمود “صور وأوضاع”.
- وقد تخرج عليه عدد كبير من العلماء والمشاهير وقد تولى إلى جانب مهمة التدريس إدارة ندوة العلماء ورئاستها حيث كان رئيسا لهيئة الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند. ومن آثاره الأدب العربي بين عرض ونقد، ومنثورات من أدب العرب، وتاريخ الأدب العربي ( العصر الإسلامي)، ومختار الشعر العربي وغيرها.
- الندوي، أبو الحسن علي، في مسيرة الحياة، (الجزء الثالث) ط/1، دمشق: دارالقلم، 1418 هـ / 1998 م، ص:10.
- الحسني، محمد الثاني، محمد يوسف الكاندهلوي، بترجمة: جعفر مسعود الحسني، بيروت: دار البشائر الإسلامية، 1425هـ / 2004 م، ص: 9.
- الحسني، محمد الثاني، محمد زكريا الكاندهلوي؛ ومآثره العلمية، بترجمة: جعفر مسعود الحسني، ط / 1، دمشق: دار القلم، 1433هـ / 2120 م، ص: 10.
- الندوي، جعفر مسعود، دعوت فكر ونظر ( الدعوة إلى التفكير والتدبير)، لكناؤ: دار الر شيد، 2015 م، ص: 11
- الحسني، جعفر مسعود،أخي العزيز،، لكناؤ: دار الر شيد، 1444 هـ / 2022 م، ص:12.
- الحسني، جعفر مسعود، خواطر، لكناؤ: دار الر شيد، 1446 هـ / 2025 م، ص: 6.
المراجع:
1–الأعظمي، سعيد، الصحافة العربية ؛ نشأتها وتطورها، ط/1، لكناؤ: مؤسسة الصحافة والنشر، 12009م.
2–الندوي، أبو الحسن علي، في مسيرة الحياة، (الجزء الثالث) ط/1، دمشق: دارالقلم، 1418 هـ / 1998 م.
3–الحسني، محمد الثاني، محمد يوسف الكاندهلوي، ببرجمة: جعفر مسعود الحسني، بيروت: دار البشائر الإسلامية، 1425هـ / 2004 م..
4–الحسني، محمد الثاني، محمد زكريا الكاندهلوي؛ ومآثره العلمية، ببرجمة: جعفر مسعود الحسني، ط / 1، دمشق: دار القلم، 1433هـ / 2120 م.
5–الندوي، جعفر مسعود، دعوت فكر ونظر ( الدعوة إلى التفكير والتدبير)، لكناؤ: دار الر شيد، 2015م.
6–الحسني، جعفر مسعود،أخي العزيز،، لكناؤ: دار الر شيد، 1444 هـ / 2022 م.
7.–الحسني، جعفر مسعود، خواطر، لكناؤ: دار الر شيد، 1446 هـ / 2025 م.