فقيد الأدب والفكر الإسلامي الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي رحمه الله
18 مايو, 2025الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي والصحافة العربية
18 مايو, 2025جعفر مسعود الحسني الندوي مربيًا كريمًا وداعيًا حكيمًا
أ. د. محمد قطب الدين الندوي(*)
(*) مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهرلال نهرو، نيو دلهي، الهند.
أنجبت دار العلوم التابعة لندوة العلماء رجالا أبطالا أبلوا بلاء حسنا في الكفاح عن الدين الإسلامي الحنيف وأفنوا حياتهم في التعليم والتربية والدعوة والإصلاح، ومنهم أستاذنا الفقيد جعفر مسعود الحسني الندوي، رحمه الله رحمة واسعة. تربى الأستاذ الندوي في أسرة لها تاريخ مجيد ورائع في العلم والمعرفة والتربية والإصلاح والتجديد، وهي مفخرة لا للمسلمين الهنود فحسب بل للعالم الإسلامي أيضا.
كان أستاذنا الندوي متبحرا في العلم ومتواضعا في السلوك، مطلعا على أحداث العالم، ومعالجا لأمراض الأمة الإسلامية بلسانه وقلمه ولا يخاف لومة لائم. كان طلق اللسان ووافرالثقافة العربية–الإسلامية، ولماذا لا؟ إذ هو فتح عينيه في بيئة دينية وعلمية يُحتذى بها، وعاصر عباقرة لهم صيت في العالم بتفوقهم العلمي والأدبي والإصلاحي لا في الهند فحسب بل في العالم العربي الإسلامي أيضا، ولهم إسهامات لا بأس بها في مجال التربية والإصلاح، وعلى رأسهم المفكر الإسلامي الكبير أبو الحسن علي الحسني الندوي، والشيخ محمد الرابع الحسني الندوي، والأستاذ محمد الحسني، والشيخ محمد واضح رشيد الندوي، رحمهم الله. وقد صدق رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية الدكتور الحسن الأمراني الحسني إذ قال عن الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي:”…فسرت في شرايين كاتبنا ماء عذبا فراتا، فلذلك ما يفتأ يستحضر تلك الروح، وهو يراها جامعة لما يريد أن يبلغه من أفكار وعواطف”(1).
سار الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي سيرة العلماء البارزين ونهج منهج أسلافه في مجال تربية النشء الجديد وإصلاح المجتمع الإنساني. وعالج مواضيع شتى منها اجتماعية وسياسية وتعليمية وتربوية وأدبية بلسانه وقلمه مازال حيا، إلا أن تربية الأولاد والشباب وتوجيه النشء الجديد كان له المكانة الأولى في قلبه والاهتمام البالغ في شغله الأدبية والصحفية. فبدأ يكتب عمودا في صحيفة “الرائد” الصادرة في ندوة العلماء، لكناؤ بشكل دائم. وأُعجب الطلاب الناشؤون بكتاباته التوجيهية البناءة واستفادوا بها استفادة كاملة حيث يشير إليها الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي–رحمه الله– قائلا: “…وقد كلفه أبوه الجليل أخي الحبيب الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي–رحمه الله تعالى– عام 2003م بالكتابة في “الرائد” بشكل دائم في “ركن الأطفال” الذي بدأ في العام نفسه، واستمر في الكتابة في هذا الركن بعنوان “أخي العزيز” إلى ديسمبر عام 2018م، وقد نال هذا الركن قبولا عاما وبخاصة تلقاه طلبة المدارس العربية بالترحيب والاستفادة”(2).
وحقا كان الأستاذ الندوي متحمسا لتربية الأولاد تربية صالحة تناسب الطريقة الإسلامية، فيدعو الأطفال إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة والعادات النبيلة والتمييز بين الخير والشر كاتبا: “…فعليك أيها الأخ أن تقي نفسك من العادات والتقاليد الخطيرة بالابتعاد عن كل ما يضر بالصحة، أو يفسد العقل أو الفكر، أو الأخلاق، ويضلك عن هدفك المنشود، فتكون رمزا للإسلام وعليك أن ترفع رأسك بانتمائك إلى الإسلام الذي يصونك من كل ما يصيبك بضرر في الجسم والروح، والانتماء إلى البيئة الإسلامية لتحافظ على شرفك وكرامتك وعزك”(3).
والمتتبع لصفحات مؤلفات الأستاذ جعفرمسعود الحسني الندوي يلمس مدى اهتمامه بإبراز دور الإسلام في رعاية الأطفال وتربيتهم تربية صالحة نموذجية لا يوجد مثالها في العالم. لنقرأ ما كتبه المربي الكريم:” يتعجب كثير ممن لا يعرفون حقيقة الإسلام حين يرون الإسلام يحرص على رعاية الأطفال كل الحرص، ويعني بتربيتهم أشد العناية وتأخذهم الدهشة عندما يجدون هذا الدين الحنيف –الذي يرميه الأعداء بالابتعاد عن كل ما يتصل بالعلم والثقافة والتربية، ورعاية الأطفال، وحل مشكلاتهم وايصال الحقوق إليهم– يهتم بتصفية قلوبهم وتغذية عقولهم وتقوية أجسامهم وتفتيح أذهانهم وترويض نفوسهم وتنمية قدراتهم وصقل مواهبهم وشحذ هممهم وتحسين تصرفاتهم وتعليم آداب الأكل والشرب والمعاشرة وأمور الحياة الأخرى”(4).
والجدير بالذكر أن مربينا هذا كانت له نظرة عميقة على كتابات العلماء والمثقفين العرب أيضا، الأمر الذي ساعده في تكوين شخصيته وبناء أفكاره. وقد قرأ مرة مقالا للأستاذ وليد السامرائي عن أسباب الخلافات في الأمة، وبيّن فيما بيّن الأستاذ السامرائي الأسباب التي تتسبب في الخلاف والفرقة في الأمة المسلمة وهي:اتباع الهوى، والغرور بالنفس، وسوء الظن بالآخرين، والتعصب. فأعجب الأستاذ الندوي بمقال الأستاذ السامرائي واستخرج نتيجة وعبر عنها قائلا:”هذه العوامل –أيها الأخ– هي عوامل داخلية تعمل عملها في تشتيت الشمل، وتمزيق الجمع، وإثارة الخلافات والفتن، فلا بد من التجنب منها والابتعاد عنها حتى تتألف القلوب وتتحقق الوحدة، ونصبح كالبنيان الذي يشد بعضه بعضا، أو كالجسد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”(5).
هذا، والمتصفح لكتابات الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي يحس بأنه كان يؤمن إيمانا كاملا بإن الإسلام دين كامل حي ورسالة خالدة تساير الحياة وفيها حيوية لا نفاد لها، فيشتغل الأستاذ بالدعوة إلى الله ونشر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة والموعظة الحسنة داعيا إلى اتباعها، ويخلص فيها كل الإخلاص ويجدّ فيها كل الجد. ولا يخاف الملوك والأمراء في إبداء رأيه تجاه قضية تهم الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي قاطبة، وهو يحلل الوقائع والأحداث تحليلا صادقا كاشفا للدسائس والمؤامرات ضد الإسلام والمسلمين عبر العالم.
ومما يلفت الانتباه أن الأستاذ الندوي كان يحترم جزير العرب احتراما ويقدسها تقديسا ويقدرها تقديرا ويعتبرها مركزا وقلبا للعالم الإسلامي كله، كما يقول:”…لأن مركز جزيرة العرب في العالم الإسلامي كمركز القلب في الجسد الإنساني، وإذا صلح المركز صلح العالم كله، وإذا فسد فسد العالم كله، كما جاء في الحديث النبوي عن دور القلب في صلاح الجسد”(6).
ومن لا يعرف أهمية وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة في حياة الإنسان اليوم. وهي تساعد في تنمية الاتجاهات الايجابية والسلبية كذلك إذا لم تُستخدم بشكل صحيح. وسوء استخدامها تؤدي إلى تخريب المجتمع ماديا وروحيا وتأتي بالنتائج الوخيمة للمجتمع البشري كما نشاهدها ليل نهار. إن الفساد والخراب في المجتمع العالمي اليوم يرجع فضله إلى سوء استخدام وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة كما يشير إليها كاتبنا الندوي قائلا:”إن كل ما نراه في هذه الأيام من المجون والفحشاء والعُرى والإباحية والتحليل والشِواذ والمثلية التي تغزو البيوت وتدمرها وتفكك الأسر وتقتلعها من جذورها، يعمل وراء كل ذلك وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا الجديدة التي سيطر عليها الإنسان بعلمه وعقله واستخدمها في نشر الأكاذيب، وترويج الأراجيف، وبث الإشاعات، لصرف النظر عن الآداب الفاضلة والأخلاق الحميدة والضوابط الشرعية والقوانين الدينية، فلا بد للجمع بين العلم والخلق، وإلا نطير بجناح واحد والمصير يعلمه الجميع”(7).
إن الأوضاع القاسية التي يواجهها المسلمون والظروف المؤلمة التي تمر بها الأمة الإسلامية عبر العالم، يصعب الخروج منها منتصرة، إلا أن أستاذنا الندوي يدعو الأمة الإسلامية إلى الاعتصام بحبل الله والتمسك بالشريعة الإسلامية التي وحدها تضمن العزة والقوة والانتصارللمسلمين وإلى التوكل على أن النصر بيدالله وأن العدد والعُدة ليست قاضية وليست مقررة للمصير، كما يقول الأستاذ الندوي مشيرا إلى معركة بدر:”ويدل هذا الانتصار والغلبة للمسلمين في معركة بدر رغم قلة عددهم وضعف أسلحتهم على أنهم ماداموا يعبدون الله وينفذون أوامره ويتوكلون بشريعته يكون النصر حليفهم والغلبة تتبعهم”(8).
ومن الأهمية بمكان أن جل مجهودات الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي–رحمه الله تعالى– العلمية والدعوية والتربوية كتابة وخطابة كانت تتركز على إعلاء كلمة الله واتباع الشريعة الإسلامية وتغريس بذور الحضارة الإسلامية في حياة المسلمين أينما كانوا، وكل ذلك في أسلوب طبيعي أخاذ ومهنج أدبي سهل رشيق يتدفق بالحياة. يندهش القارئ بانتاج الأستاذ الندوي العلمي القيم خلال فترة قصيرة وينبهر بمدى تأثيرها في حياة الأمة الإسلامية. وبرحيل الأديب الإسلامي والمربي الكريم والداعي الحكيم الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي افتقدت الأوساط الأدبية والصحفية والتعليمية والتربوية والدعوية في الهند أحد فرسانها المجلين.
“مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً”(9).
الهوامش:
- خواطر، جعفر مسعود الحسني الندوي، صـ12، دار الرشيد، لكناء، الهند.
- مقدمة لكتاب “أخي العزيز”، جعفر مسعود الحسني الندوي، صـ4–5، 2023، دار الرشيد، لكناء، الهند.
- أخي العزيز، ص: 47.
- نفس المصدر، ص: 201.
- نفس المصدر، ص: 520.
- خواطر، ص: 129.
- نفس المصدر، ص: 169
- نفس المصدر، ص: 205
- سورة الأحزاب، الآية: 23