نفحة من نفحات النسب الطاهر وأريج من عبق الفضيلة

علم من أعلام الهند الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي
19 مايو, 2025
الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي: معلم حكيم ومرب فاضل
19 مايو, 2025

نفحة من نفحات النسب الطاهر وأريج من عبق الفضيلة

محمد عاصم الندوي

في رحاب بيت ينتمي إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبين أعواد نسبٍ يتصل بسيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما، نشأ الشيخ السيد محمد جعفر الحسني، ذلك النور البهي الذي ارتوى من معين النسب الطاهر، وسار على خطى آبائه وأجداده من آل البيت الكرام. كان انتماؤه للنسب الشريف مصدر إلهامٍ وسلوك، فانعكس في روحه الزكية وأخلاقه العالية التي أبهرت كل من عرفه.

فكان مصداق قول الفرزدق:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
هذا النقي التقي الطاهر العلم
ينمي إلى ذروة العيش الذي
قصرت عن نيلها عرب الإسلام والعجم

نشأة متواضعة وحياة بسيطة:

نشأ السيد محمد جعفر الحسني في بيئة يغلب عليها البساطة والصفاء، فكانت حياته منذ بداياتها تفيض بالسذاجة العفوية التي لا يشوبها تعقيد الدنيا. كبر هذا الفتى الطاهر وفي قلبه بساطة المعيشة وصدق الطوية، مما جعله قريبًا من قلوب العامة والخاصة على حد سواء.

إرث الصحافة والأدب:

ورث من أبيه، الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي، شغف الأدب العربي الأصيل وبلاغة القلم الصحفي. تشرب من معين والده العذب حب اللغة العربية وذوقها الرفيع، فأصبح أدبه مرآة تعكس روعة البيان العربي وعمقه. كانت كلماته تحمل نكهة الأصالة وتمتزج بروح العصر، فيأسر بها قلوب محبيه وطلابه.

صاحب الفقراء وبلسم آلامهم:

كان الشيخ السيد محمد جعفر الحسني يعيش همّ الفقراء والمحتاجين، يشاركهم أحزانهم ويفرح لفرحهم. يجالسهم ببشاشة وجهه، ويربت على أكتافهم بكلماته الرقيقة، وكأنما يقول لكل واحد منهم: “أنا هنا لأجلك.” لم يكن اهتمامه بهم صدقةً فحسب، بل كان تفكيرًا عميقًا بشؤونهم، وأملًا في تحسين أحوالهم، ومن لا يعرف قرية “بروه” وأهلها؟ وكان الشيخ يهتم بأمرهم الدين والدنيا. حتى نراه يصلي بهم صلاة التراويح في ليالي رمضان كيلا تفوتهم نفحات رمضان ونسائم الرحمة الإلهية.

أسلوب أدبي يأسر القلوب:

كان قلمه سحريًا يأخذ بمجامع القلوب، فأصبح أسلوبه الأدبي مدرسة قائمة بذاتها. تقرأ كلماته فتجد فيها نفحات الشيخ علي الطنطاوي وروح الشيخ المنفلوطي، وتبصر فيها جمال البيان الذي يأسرك من أول حرف حتى آخر كلمة. وتجلت عبقريته الأدبية في “ركن الأطفال” لصحيفة الرائد التي تصدرها ندوة العلماء، حيث خاطب عقول الأطفال بلغة رقيقة تجمع بين البساطة والعمق.

محاضرات وجوامع الكلم:

لم تكن محاضراته مجرد كلمات تُلقى على مسامع الحاضرين، بل كانت مشاعل تنير دروب السالكين. نصائحه كانت من جوامع الكلم، تجمع بين الإيجاز والإعجاز، فلا يُنسى ما قاله ولا يُمحى أثره من القلوب.

حكمة في حل المشاكل:

كان الشيخ مستشارًا حكيمًا في حل المشكلات. تميّز بدقة النظر ورجاحة العقل، فكان إذا عُرضت عليه قضية فكّر بعمق وتأنٍ، ثم أخرج من جعبته الحكمة التي تطفئ نار الخلاف، وتزرع السكينة في النفوس.

بلاغة وفصاحة تأسر الألباب:

في كل حديث أو كلمة، كان الشيخ السيد محمد جعفر الحسني يبدع بروائع من البلاغة والفصاحة. كان أدبه عذبًا، كأنه جدول ماء صافٍ يروي عطش القلوب للبيان العربي. كانت كلماته كالموسيقى التي تطرب لها الأرواح، فتترك أثرًا خالدًا في كل من سمعه.

تربية الأولاد على خطى النبوة:

لم يكن أبًا عاديًا؛ فقد كان قدوة في بيته وفي مدرسته، يربي أبناءه وطلابه على الأخلاق النبوية والفضائل الإسلامية. كان نصحه دائمًا كالمصباح الذي ينير لهم دروب الحياة، فينشأون على الاستقامة والبر.

معلم ومربٍّ للأجيال:

أما طلابه، فقد كان لهم نصيب كبير من رعايته واهتمامه. غرس في نفوسهم حب العلم والأدب، ورباهم على مكارم الأخلاق. كانوا يشعرون بأن شيخهم لا يعلّمهم فقط، بل يصنع منهم رجالًا ونساءً قادرين على حمل رسالة الإسلام والإنسانية.

رجل من القرن الثالث بيننا:

إذا تأملت في سيرته، شعرت أنك أمام رجل من رجال القرن الثالث الهجري، يعيش في زماننا ليذكرنا بروح السلف الصالح. هو مثال حي للإخلاص والفضيلة، وعلم يمشي على الأرض، يحيي القلوب بما ينثره من علمٍ وأدب.

رحم الله الشيخ السيد محمد جعفر الحسني، وبارك في إرثه العلمي والأدبي الذي سيظل منارة تهدي الأجيال القادمة.

أسألُ الله تعالى أن يتغمّدهُ بواسعِ رحمته، ويجعلَ قبرهُ روضةً من رياضِ الجنة، ويُخلفَ الأمةَ فيهِ خيرًا.

اللهم اجعل قبرَه روضةً من رياضِ الجنة، وأكرمْ مثواه، وارفعْ درجاتِه في عليّين، وألهمَ ذويهِ ومحبيهِ الصبرَ والسلوان.

×