دراسة كتاب “القرآن الكريم كتاب هداية للإنسانية” للشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي

استعراض لكتاب “في ظلال السيرة” للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
10 سبتمبر, 2023
حوار مع الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله تعالى
16 سبتمبر, 2023

دراسة كتاب “القرآن الكريم كتاب هداية للإنسانية” للشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي

محمد نفيس خان الندوي

كان الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي من كبار علماء الهند وقادتها البارزين وله خدمات جليلة وجهود جبارة بذلها في سبيل إقامة الدين الإسلامي والدفاع عن المنهج القرآني، فقد تناول في كتاباته القيمة الدسمة مختلف العلوم والفنون من القرآن والحديث والفقه والأدب والتاريخ ولكن كان له اهتمام بالغ وشغف زائد بالقرآن الكريم وعلومه وكان دائم الصلة بالكتاب الإلهي، كثير التدبر في آياته، طويل الوقوف على أسلوب القرآن البياني الساحر، يقتبس منه منهجا حكيما لا تطرف فيه ولا مغالاة، ويأخذ منه فكرا مستقيما لا عوج فيه ولا شطط، حتى أصبح القرآن لحمته وسداه، والمحور الذي يدور عليه فكره ومنهجه، وذلك لأنه يعتبر القرآن منهجا ودستورا للحياة البشرية، يتضمن لها الصلاح والسعادة، ويوفر لها جميع ما يحتاجه في مختلف شعب الحياة من الأمن والسلام، حتى أن السلام العالمي لا يتحقق إلا بتطبيق النظامي القرآني في العالم البشري، تدل على ذلك كتاباته التي حول الموضوعات القرآنية، ومنها كتابه الذي ألفه باللغة العربية باسم ” قرآن مجيد رهبر كامل”. ونذكر فيما يلي بعض السمات الأساسية لهذا الكتاب.

ومن خلال معرفتنا لهذا الكتاب وما يحتويه من الأبحاث القيمة يمكن لنا أن نقول: إن هذا الكتاب يمتاز من بين الكتب المؤلفة في علوم القرآن أنه يشتمل على تعريف جامع بليغ للقرآن مركزاعنايته على إبراز الجانب المهم والصفة الحقيقية له ألا وهي “الهداية” فأوسع المؤلف القول في بيان ما يحمله القرآن الكريم في نظامه البديع الشامل الممتد (من نظام العقيدة والعبادة والأخلاق والاجتماع إلى نظام التعامل مع مختلف الشعوب والطبقات البشرية) من الهداية الواسعة في ثنايا أبحاثه وتعاليمه، وذلك كله بلغته السهلة الواضحة التي ينفرد بها، وبأسلوبه الأدبي السلسال البعيد من الغموض والإبهام، البريئ من التكلف وزخرفة التنميق والتحبير.

يتحدث الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي وهو يسلط الضوء على ما لهذا الكتاب من القيمة في هذا العصر الذي ثارت فيه موجة عارمة على القرآن الكريم، وثارت الشبهات والشكوك على تعاليمه ونظامه البديع المحكم، فألقى الضوء على هدف نزول القرآن ورسالته الأبدية الخالدة ومكانته المرموقة بين الكتب والصحائف السماوية الأخرى:

“اشتمل القرآن الكريم على معاني الهداية الإنسانية والموعظة الحسنة، وبعث الرسول مثالاً عملياً لهذه الموعظة، فمن يجعله هادياً يتيسر له معرفة رضا الله تعالى خالق الكون بأحسن طريق، ويكون وسيلة لهداية الإنسان الذي أكرمه الله تعالى بموهبة الاستفادة من العقل والهدى والتأثر بهما، ويمكن أن يضل في إدراك الحقائق بسبب هوى النفس، فلا يستفيد من هداية القرآن لتغيير مساره عن الطريق المستقيم، فيبتعد عن الاستفادة من النعم الموهوبة له من الله رب العالمين، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم لتغيير الإنسان الضال بما وقع من الضلال، واختار الله تعالى لهذا الغرض الهم محمداً صلى الله عليه وسلم هادياً ومبشراً ونذيراً وسراجاً منيراً، وجعل القرآن الذي أنزله عليه تذكيراً للمؤمنين وهداية للمتقين، فكان موعظة وشفاء وكتاباً مهيمناً، وفرقاناً”. (ص: 8–9)

وأوضح الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي في كتابه هذا بالأدلة العلمية والعقلية أن القرآن هو المصدر الوحيد الذي تتفجر منه ينابيع الحكمة ويتدفق منه شلال الإيمان واليقين، وخلت القرون تلو القرون تستقي من هذا المعين الصافي وترتوي من هذا المنهل العذب الثرثار، وهو النور الذى تجاهلت عنه الإنسانية اليوم بغفلتها وتماديها في المادية، وبسب حرمانها من الإيمان بالآخرة، فلابد من أن تعرض على الإنسانية مبادئ القرآن الأساسية بجانب التركيز على ما فيه من الهداية السمحة للإنسانية قاطبة، يقول الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي وهو يتحدث عن هذه الميزة للكتاب:

“فتمس الحاجة إلى عرض مبادئ القرآن الهادية ومعانيه السامية في القيم الخلقية الرفيعة والمثل الإنسانية النبيلة بأسلوب علمي معاصر، إن ذلك لمن أهم موضوعات القرآن الكريم، فقد وصف الله تعالى القرآن أنه “هدى للناس” و”شفاء لما في الصدور ” و”بيان للناس”، فالحاجة شديدة إلى التنويه بموضوعات القرآن الأخلاقية والإشادة بما يوجد فيه من تعاليم العدل والقسط والشهادة بالحق، وما يدعو إليه من الأمن والسلام والبعد من الفتنة، وما يأمر به أتباعه من الصبر والعفو والصفح والرحمة وأخذ الحيطة في التعامل مع أتباع الديانات الأخرى إلى غير ما يزخر به كتاب الله من المعاني العليا التي تخلو منها الكتب والصحائف الدينية الأخرى”.

ويرى الشيخ الندوي أن هذا الكون بما فيه من المخلوقات والسموات المرتفعات والجبال الراسيات، والأشجار الباسقات، تحتاج في بقائها إلى الخضوع لأمر القادر الخلاق، وهو الذي سخر الكون ومافيه، وأمره بالامتثال لأوامره، والاجتناب عن نواهيه، فالكون كله يسبح بحمده ويطيع أمره ولا يعصيه، وليس له أن يخالفه في مرضاته، لأنه مربوط باسمه لا ينفك عنه، ومادام مربوطا باسمه لا يلحقه الفناء، وإذا انقطع هذا الخيط الذي يربطه برب العالمين صار إلى الفناء لا محالة، يقول الشيخ الندوي وهو يتحدث عن هذه الحقيقية بأسلوبه السهل الجاد:

“إن وجود هذا الكون وما فيه منوط باسمه، وإذا انقطعت عنه هذه الصلة تبعثر الكون وتفرق وفسد نظام العالم، إذ بقاء الكون رهين باسمه وطوع إشارته، وإن تفاصيل الاسم الإلهي هي ما يحتوي عليها القرآن الكريم” (القرآن الكريم كتاب هداية:30).

وقد جعل المؤلف لبيان هذه النقطة الدقيقة فصلا مستقلا باسم ” الكون في خضوع دائم وعبادة مستمرة” تحدث فيه بالأدلة القرآنية عن الفكرة الأساسية التي تسيطرعلى هذا العالم.

وقد لعب الكتاب “القرآن الكريم كتاب هداية” دورا كبيرا في إزالة سوء التفاهم الذي يغشى المجتمع البشري بمختلف شعوبه وطبقاته عن القرآن الكريم ومعانيه السمحة، لذا نال ترحيبا حارا بين الطبقات المثقفة، وتداولته الأيدي بالقبول والاستحسان.

وملخص القول أن هذا السفر القرآني الجليل ينفرد بميزته الأدبية والفكرية الخاصة، وبأسلوب مؤلفه الجاد السهل الرصين وإبرازه لجوانب هامة من القرآن الكريم وعرض جانب الهداية كمنقذ للإنسانية التائهة في الضلالة والغواية، كما يمتاز الكتاب بدارسة المؤلف الواسعة العميقة لما يجري في العالم من تقليل شأن القرآن الكريم الذى جعله الله سبحانه نورا وهدى ورحمة للإنسانية جمعاء.

ولست أنا وحدى الذي يعترف بفضله وكماله في علوم القرآن، وإنما يعترف كل من عرفه ودرس كتبه وسمع خطبه اعترف بما كا ن له من المكانة المرموقة في العلوم القرآنية.

إن وفاة الشيخ الندوي خسارة كبيرة بالنسبة إلى الأمة الإسلامية عامة، والأمة الهندية خاصة، إلا أن هذا الرجل الذي وقف نفسه ذابا عن حوزة الشريعة الإسلامية ومدافعا عن وجه القرآن المشرق لن يموت، وكيف يموت من أنفق حياته في خدمة الدين وخدمة القرآن الخالدالأبدي.

إنه لن يموت وسوف يحيى بأعماله الصالحة وخدماته الجبارة وأمجاده العظيمة، وإن الأمة لن تنساه أبدًا، ويكون خالداَ في ذاكرة الأجيال القادمة والقرون الغابرة.

×