مجتمع “التنافس” ومسئولية الدعاة
2 أبريل, 2023كان ظهور الإسلام فتحًا لعالم جديد
4 أبريل, 2023الثقة بالنصر
فضيلة الشيخ عبد الرحيم فودة
1- كما يمتحن الذهب والمعادن بالنار يمتحن المؤمنون بالمحن والشدائد، لتصفو نفوسهم وتسمو هممُهم وتقوى عزائمهم وتعظمَ قِيمُهم، ثم لتكون لهم الحياة الطيبة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، كما يُفهم من قول الله:
(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّلِحَتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَتَابٍ) [الرعد: 29] وقوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ، وَالطَّيِّبَتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأعراف: 32].
2-وقد مثل الله الحق بالماء ينزل من السماء فتجري به الأنهار وتجود به العيون، وتَبِضُ به الآبار، وتحيا الأرض بعد موتها، وبالمعادن النفيسة تصهر بالنار لتخلص مما يشُوبُها ويعيبها وينتفع بها الناس بعد تمحيصها وخُلُوصِها، ومثل الباطل مهما يكن شأنه بالزبد فوق السائل من الماء والمعادن لا بقاء له ولا خير فيه، ثم قال جَلَّ شأنه: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءَ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد: 17].
3-فالبقاء للحق، مهما يكن الباطل ومهما يطل به الزمن، والنصر لمن يؤمنون بالحق ويحرصون عليه ويكافحون دونه، ويجاهدون في سبيله، ويجودون بأموالهم وأنفسهم، وبكل ما يستطيعون من قوة لإعلاء كلمته وإعزاز رايته، فإذا بذلوا وسعهم في ذلك كان الله عونهم فيما لا تبلغه طاقتهم، وفيما تقصر عنه قوتهم، (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح: 4]، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران: 126].
(إن ينصركم الله فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخذُلَكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160].
4-ذلك هو التفكير العقلي السليم عند من يؤمنون بالله ويتوكلون عليه، ويمتثلون أمره، ويعدون لعدوه وعدوهم كل ما استطاعوا من قوة كما يقول سبحانه:
(وَاعِدُوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رَبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوٌّ اللَّهِ وَعَدُوكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].
ولا شك أن معنى القوة عام يشمل القوة المادية والقوة المعنوية والقوة العلمية، وأن معنى الرباط كذلك عام يشمل حراسة الثغور والمنشآت والمؤسسات التي يتوقع هجوم العدو عليها، ويقوم مقام الخيل في هذا العصر كلُّ أدواتِ الحرب والدفاع الحديثة؛ من البندقية إلى المدفع إلى الدبابة إلى الصاروخ.
5-فإذا توافرت وسائل النصر وتكاملت معداته وأدواته كان علينا أولا وأخيرًا أن نعتمد على الله وأن نلتمس عونه، ونلتزم حدوده، فقد يُعطّل الأسباب عن عملها، ويكون الخير فيما نراه شرا، والشر فيما نراه خيرًا، كما يقول جل شأنه:
(وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 216].
فكثرة العدد ووفرة السلاح قد تُثيران في نفوس المقاتلين الغرور بالقوة والشعور بالزهو، فتكون الهزيمة من حيث يُتوقع النصر، كما حدث للمسلمين في غزوة حنين، إذ قال بعضُهم لبعض: «لَنْ نُهْزَمَ اليَوْمَ مِنْ قِلَّةِ»، ثم كان ما يذكره الله حيث يقول:
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٌ وَيَوْمَ حُنَيْنِ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَيْتُم مدبرين، ثمَّ أَنزَلَ سكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَفِرِينَ) [التوبة: 25-26).
وأيا كان الأمر بيننا وبين أعدائنا فنحنُ نذود عن حقّ، وندافع عن شرف، ونؤمن بقول الله فيهم:
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَمَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) [الأعراف: 167].
وقوله: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَاءِ يلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُرَدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78-79].
وقد عرف العالم، أمرهم، وكانت معركتنا الأخيرة معهم بشارة سارة لنا بما ينتظرنا من خير ونصر وما ينتظرهم من شر وقهر.
ويرجع ذلك النصر الذي حققناه إلى اتحاد الكلمة، وتضافر الجهود، والإعداد للحرب والإقدام عليها، والتضحية فيها، بل يرجع أولا وأخيرًا إلى ذلك الأثر الكبير الخطير الذي أحدثه دوي الصيحة التي انطلقت من أعماق المقاتلين وهم ينقضون على حصون الأعداء ويهتفون بكلمة: (الله أكبر).
وقد تحدث المقاتلون بما رأوه في هذه المعركة من مظاهر عون الله وتأييده، وبلغت قصصهم في ذلك حدا يزيد المؤمنين إيمانًا واطمئنانا، وصدق الله إذ يقول:
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتَكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) [الأحزاب: 9].
وإذ يقول: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَيْكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيَ أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت: 30-31].