الإنسان بين الشكر والكفر (2)

الإنسان بين الشكر والكفر (1)
9 يونيو, 2020
أكثر من ستين عاماً!
30 يوليو, 2020

الإنسان بين الشكر والكفر (2)

فالذيين آمنوا بالله تعالى وبنعمة الإسلام، ونفذوها في حياتهم في جميع نواحيها، وبكامل مناسباتها، أكرموا بالهداية الربانية في الحياة الدنيا،والعيش السليم المطمئن في شؤون الحياة، فكانوا سعداء المجتمعات البشرية في كل زمان ومكان، أكرمهم الله تعالى بالقيادة نحو مناحي العز والسعادة، وفي صيانة كاملة من شرور الكفر والكبر والصلف، والغرور بمتاع الدنيا الزائل الضائع، ولذاتها العاجلة الفانية من غير تأخير “وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” [الملك:6].

وقد شهد التاريخ الإنساني على مدى الدهر ما قد لقيه الإنسان الكافر من سوءات ولعنات من أنبيائهم الذين كانوا في ذلك العهد “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ” [المائدة:78]. وهل هناك شقاء أشد من اللعنة، وبذلك طرد إبليس من حضرة الرب تبارك وتعالى، وصرح الله سبحانه باللعنة على المنافقين الذين كانوا يقولون ما لا يفعلون “أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ” [محمد:23]، وكذلك تناول الله سبحانه أولئك الكافرين الذين كانوا يكتمون آيات الله تعالى من البينات والهدى، فقال بلهجة عنيفة “إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَعِنُونَ” [البقرة:159].

فالحياة المطمئنة نصيب الشاكرين على نعمة الإيمان الأساسية،وعلى نعم أخرى تتبع نعمة الإيمان الخالص، ألا ترى أن الله سبحانه بدأ كتابه بكلمة الحمد التي ترادف معاني الشكر وتجمعها في كلمة واحدة، وهي “الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” كما أن الكفر يعني البعد عن نعمة الحب والإيمان بالله تعالى، كذلك اللعنة تعني طرد المرء من كل خير وسعادة، كما لعن الله سبحانه إبليس لما أنكر السجود لآدم عليه السلام لأنه لم يخلق من النار “قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ” [الحجر:34-35].

أما النفس المطمئنة فلا ترضى إلا بالشكر لله تعالى لكل ما أكرم به من نعمة الحياة والرزق والعلم والإيمان، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يدعو ربه بدعاء النفس المطمئنة فيقول “اللهم إني أسألك نفساً مطمئنة تؤمن بلقائك، وترضي بقضائك، وتقنع بعطائك” أليس هذا الدعاء ما يمثل حياة الشكر لله تعالى على الدوام والفرار من كل ما يقرب إلى الكفر ونتائجه القاسية المنكرة، فكان الشكر من عطاء الله تعالى لعباده المؤمنين كما أن الكفر يرادف الشقاء في كل زمان ومكان، ويفرض على من يكفر حرماناً من كل خير وسعادة وعز، ويبعثه على نكران الجميل الذي أكرم به الإنسان “وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ” [النمل:40].

ومن ثم يفتقر كل شخص أن يفكر فيما أنعم الله تعالى عليه بنعم لا يأتي عليها الحصر،ويدرك ذلك الطريق الذي يؤديه نحو السعادة في الدنيا والشقاء في الآخرة، اللهم ارزقنا نعمة الشكر دائماً وقنا لعنة الكفر دائماً، حتى نعرف قيمة الحياة الإنسانية ومطالبها في جميع اللحظات والساعات، وفي جميع الشؤون والأحوال، وبذلك نكون ممن هداه الله تعالى إلى طرائق الشكر والامتنان لله تعالى، وهل يستطيع الإنسان أن يؤدي حق النعم العظيمة الواسعة؟ ” كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ” (العلق:6-7).

(سعيد الأعظمي الندوي)

×