Test
26 يوليو, 2021الوطنية في الإسلام
18 أبريل, 2022خواطر نفسي
محمد زبير حسن الندوي
مضى الليل إلّا أقله، ولم يبق إلّا أن تنفرج لمة الظلام عن جبين الفجر، ولا أزال ساهراً قلقاً أقلّب جنبي في المضجع، أطلب الراحة فلا أجدها، وأهتف بالغمض فلا أعرف السبيل إليه.
إن بعض الإخوان يسخرون مني في كلامهم ويهزئون بي، وينذروني بيوم أرى فيه أوهاماً كاذبةً وأحلاماً باطلةً ما كنتُ أحسبه آماني وآمالي، ويرون أن جميع ما أقدره لنفسي من هدف في مجال التعلم وغاية في الحياة إنما هو أشبه شيئ بالخيالات الشعرية والتخيلات الروائية التي يملأ الشعراء بتصوراتها الصفحات وينمّق بها الروائي روايته القصصية في رواياته، ولا يشعرون بوجودها حقيقةً؛ فلئن كانوا حقاً فيما يقولون وصادقاً فيما يرون، فما أمرّ طعم العيش، وما أظلم وجه الحياة.!
لا لا، إن الذي غرس في قلبي هذه الآمال الحسان لا يعجز عن أن يتعهدها بلطفه وعنايته حتى تجرج ثمارها وتلألأ أزهارها، وإن الذي أنبت في جناحي هذه القوادم والخوافي لا يرضى أن يهيضني ويتركني في مكاني كسيراً لا أنهض ولا أطير، وسلبني كل ما يأمله الآملون في هذه الحياة من هدف منشود وغرض مطلوب، ولم يبق لي منها إلا حلاوة الأمل ولذته لأجل من أن يقسو عليَّ القسوة كلها، فيسلبني تلك الثمالة الباقية التي هي ملاك عيشي وقوام حياتي.
على أنني ما ذهبت بعيداً، ولا طلبت مستحيلاً، فكل ما أطمع فيه من جمال هذا العالم وزخرفه إنما هو التحلي بزينة العلم وصفاته، آنس باتصافها واتسامها، وأجد بها لذة العيش في كل مكان، والسكون إليها في كل مجال، وأعرف بها سبيل الحق والهداية، وأفرق بها بين الحق والباطل، وأفوز بها في الدارين، وأدعو بها الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وأرشد بها الناس إلى طريق النجاح والفلاح.
وما الرجل الذكي كما يقولون إلاّ له نظرة شاملة لحركات العالم واتجاهاته تدل على أنه سائر لغاية يطلب للوصول إليها، وخطة مرسومة يسعى إلى نهايتها، ويتجه نحوها دائماً مهما عاقته العوائق، وله قلب ينبض، وعقل يفكر، وشعور يشعر، وغاية يطلبها في كل حين وآن، فلا يزال يشعر في قلبه بذلك النقص الذي كان يشعر به كل عاقل قبل أن ياتيه العقل حتى يبلغ إلى المرام.
وبعد فأي مقدور من المقدورات تضيق به قوة الله وحكمته؟ وأي عقل من العقول الانسانية يستطيع أن يُبدع في تصوراته وتخيلاته الذهنية فوق ما تُبدع يد القدرة في مصنوعاتها وآثارها ؟ وهل الصور والخيالات التى تمتلئ بها أذهاننا وتموج بها عقولنا إلا رسم ضئيلة لحقائق هذا الكون وبدائعه، فلو أن سامعاً سمع وصف منظر الشمس عند طلوعها، أو مهبط الليل عند نزوله، أو جمال غابة من الغابات، أو شموخ جبل من الأجبال، أو عمق بحر من الأبحار، ثم يرى بعد ذلك عياناً ما كان يراه تصوراً وخيالاً، لعلم أن جمال الحقائق فوق جمال التصورات، وحقائق الموجودات فوق هواتف الخيالات؛ لذلك أعتقد أني ما تخيلتُ هذه الغاية التي أقدرها لنفسي إلا لأنها كائن من الكائنات الموجودة، وأنها آتية لا ريب فيها. (إن شاء الله)
وإن اليوم الذي أشعر فيه بخيبة آمالي، وانقطاع حبل رجائي، يجب أن يكون أخطر يوم من أيام حياتي، فلا خير في حياة يحياها المرأ بغير علم، ولا خير في علم يُخفق في إصابة هدف منشود وغاية مطلوبة.