تربية الأولاد
4 نوفمبر, 2024رسالة طالب إلى الأستاذ الحبيب
20 مايو, 2025رائد أدب الأطفال في عصرنا
مرسلين أحمد(*)
(*) الأمين العام للنادي العربي لدار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ
أيها الأخ!
تعال! نعود بك إلى أيامي الماضية إذ نتعلم في مدرسة “مظهر الإسلام بلوجفوره” وهنا نطالع “القصص العربية للأستاذ كامل كيلاني” ونقرأ صحيفة “الرائد” خصوصا ركن الأطفال باسم “براعم الإيمان” بقلم الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي فيسري فينا السرور والغبطة بأننا –حسب ما نظن– نستطيع أن نقرأ ونطالع صحيفة عربية شهيرة في العالم كله ونفهمها ولو كان شيئا، وأعجبنا واستمتعنا بأسلوب الكاتب المكرم الأخاذ الطري العذب السهل ولكن لا أعلم من هو؟ أين هو يسكن؟ أين يوجد؟ وهو يكون صاحب الفخفخة والغرور؟
وفي تلك الأيام نختلف إلى “خاتون منزل” أمين آباد حيث ينعقد مجلس الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي للوعظ والتربية الدينية ونحضره كل يوم الأربعاء وهنا نزور –مرة لآخر– رجلا بسيط المنظر، متهلل الوجه، معتدل القامة واللحية، ويتجول وقلنسوته في يده، وبعد مدة عرفنا أنه هو الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي كاتب “براعم الإيمان” و”مدير التحرير لصحيفة الرائد الغراء” فتأثرت بشخصيته أشد التأثر ونتذكر–حينما أكتب هذه السطور– أبيات “العباس بن مرداس” يقول:
تَرى الرَجُلَ النَحيفَ فَتَزدَريهِ | وَفي أَثوابِهِ أَسَدٌ مُزيرُ |
وَيُعجِبُكَ الطَريرُ فَتَبتَليهِ | فَيُخلِفُ ظّنَّكَ الرَجُلُ الطَريرُ |
فَما عِظَمُ الرِجالِ لَهُم بِفَخرٍ | وَلَكِن فَخرُهُم كَرَمٌ وَخَيرُ |
وتلمذت عليه في دار العلوم لندوة العلماء في السنة الأولى من العليا في الأدب (التكميل) وزرته عن كثب وتعرفت أنه مشرق الديباجة، دمث الأخلاق، عظيما في غير صلف ولاغرور، شريفا نزيها، فائقا أقرانه في العلم والأدب والتاريخ والفكر، وهو يلقي في حصته (في التكميل) محاضرة حول الفكر الإسلامي ومحاضراته تشمل جوانب متعددة من الفكروالعلم والأدب والتاريخ والسياسة بأسلوب متين معجب سلس ويحلل الأحوال والأوضاع الراهنة تحليلا قويا دقيقا واقعيا.
وهذا مما لا ريب فيه أنه رائد أدب الأطفال باللغة العربية في الهند وحامل لواء حركة الأدب الإسلامي البناء وأدى دورا لائقًا في هذا الصدد بقلمه ولسانه ويدل على ذلك مقالاته المتناثرة في المجلات المختلفة وخاصة كل ما أفاضه بقلمه السيال السلسال في صحيفة الرائد في “ركن الأطفال” تحت عنوان “براعم الإيمان” نحو 15 سنة. وقصة ذلك إذ أنشأ العلامة السيد محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله صحيفة الرائد لتدريب الطلاب على اللغه العربية الفصحى والكتابة العربية الرصينة والصحافة العربية البناءة وتحليل الأخبار والظروف الراهنة على طريق أحسن وأنسب وتزويد أنفسهم –من خلال ذلك– بالأفكار الصحيحة السديدة الإسلامية المعتدلة والنظريات السليمة الشاملة والملكات للكتابة العربية الأدبية والعلمية المعاصرة وفهم اللغة العربية المباشر، فرئيس تحرير الرائد في ذاك الوقت الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي وضع ركنا خاصا للطلبة باسم “ركن الأطفال” ثم تغير اسمه إلى “براعم الإيمان” فكلف ابنه الرشيد الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي والأستاذ محمد وثيق الندوي للكتابة في هذا الركن.
وهدف هذا الركن الأصيل تمهيد الطرق لطلاب اللغة العربية وآدابها المبتدئين بصفة أخص إلى أن يتدربوا على الكتابة العربية الأدبية ويتسنى لهم الفرص لصقل مواهبهم العلمية والفكرية والكتابية وإعطاءهم فكرة ناضجة سليمة إسلامية ونيطت مسؤولية الكتابة في هذا الركن برأس الأستاذ رحمه الله وكتب فيها نحو 15 سنة بكل حسن وجمال وشعور بهذه المسؤولية الكبرى وأهميتها واختار أسلوبا حيا طريا حلوا يلامس مشاعرهم وعواطفهم وأذهانهم.
والمقالات المكتوبة في ركن الأطفال كلها تزدان بأسلوب أدبي ميسر ومناسب وسائغ وبعبارات سهلة وتعبيرات أدبية شائقة قوية وكلمات عالية مفيدة نابضة بالمواد العلمية والفكرية والأدبية والمعاني البليغة وهي تمثل الحياة الإسلامية الصالحة والأفكار والنظريات الصحيحة المعتدلة وتكشف اللثام عن مفاسد الحضارة الغربية وتدعو إلى الصراط السوي والتمسك بالإسلام والالتزام بالعمل الصالح والتحلي بالأخلاق الكريمة والصفات الحسنة والتأسي بنبينا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم وتحفز الهمم إلى القيام بالإنجازات القيمة والأعمال الجليلة وتحقيق النجاح في جميع المجالات الدنيوية التي دخلوا فيها، وتهدي الطلاب إلى المستقبل اللماع وتغذي العقول وتنمي الصلاحيات لقيادة العالم كله وإصلاح المجتمع الإنساني.
وهذه المقالات تعلم الطلاب طريقة عرض الأفكار وتعبير المشاعر والعواطف وتحليل الوقائع واستخدام وسائل الإعلام للدفاع عن الاسلام ودحض الشبهات الباطلة حول الإسلام وهو يتأسف على عدم التوجه إلى هذا الجانب وهو يقول:
“لكن من الأمر المؤسف أننا نحن المسلمين لا نملك مثل وسائل الإعلام التي يملكها أعداؤنا ولا نكاد نستخدمها لتوجيه الدعوة إلى الله والدفاع عن الإسلام والزود عن الشريعة والرد على الشبهات التي يثيرها الحاقدون حول الإسلام ومقاومة الحملة التي شنها الغرب لإصابة المسلمين بمركب النقص وإشعارهم بأن دينهم الذين يتبعونه لا يستطيع أن يساير ركب الحضارة وانتهى دوره.
وأضاف قائلا: هذه الوسائل تتمثل فيما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال سيدنا جعفر بن أبي طالب حين سأله النجاشي ملك الحبشة عن تعاليم نبيه فقال: “أمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار (ألخ) فأزالت هذه الكلمات القصار كل شبهة أثيرت حول هذه الجماعة الطيبة المهاجرة وذكر قول أستاذ بكلية الطب بجامعة القاهرة: يسكن معي في البناية شاب أوربي منحرف غاية الانحراف، ضائع أشد الضياع وكنت أنا وزملائي في البناية يحسنون معاملته رغم ضلاله وانحرافه، ذات مرة سألهم ذلك الشاب الأوربي لماذا تهتمون بي دون غيركم من أتباع ديانات أخرى، فأجابوا: لأن ديننا الإسلام يأمرونا بإحسان معاملة الجار وأنت جارنا فهز الشاب الأوربي رأسه إعجابا بهذا الدين، وقال ليس لي دين الآن لكن عندما أقرر وأختار دينا، فاختار دينكم هذا لأنه دين عظيم. لو اجتمعت الصحف والمجلات واتفقت القنوات والفضائيات على أن تصرف هذا الشاب الأوربي (لا تجد إليه سبيلا).
وهذا مقتبس من مقاله –أكبر دليل على ماذكرته آنفا– يتحلى بفصاحة عبارته وسلاسة قلمه وعذوبة الكلمات وخفتها ومع ذلك يتزين بأسلوب قوي رصين ملائم ويحمل في ثناياه حسن الاستدلال والتحليل وقوة الاستشهاد والدليل ويتحلى بعرض فكرة ناضجة إسلامية ورأي سديد وتوجيه وإرشاد والرد على الشبهات الفاسدة الغربية وترون فيه كيف قدم الأستاذ فكرا بليغا بأسلوب رشيق يلائم فهم الطلاب الذين يدرسون في الصفوف من الثانوية والعالية.
عادة سيئة. العبقرية لاتورث.حاسب نفسك. كيف تكتب الرسالة. الصمت أجمل بالفتى. في معركة الحياة. وبالوالدين إحسانا.كيف يتحقق النجاح. على قدر أهل العزائم تأتي العزائم. الكرم والنبل. الشغف بالمطالعة. الشعور بالمسؤلية. إما الطفل وإما اللوحة. فرصة سنوية للتغيير. التربية الإسلامية. مرحلة الشباب.
وقد ذكرنا في الأعلى بعض العناوين من مقالاته، مما به يتضح جليا أن كل ما كتب الأستاذ رحمه الله كتب لأجل الطلاب الدارسين للغة العربية وآدابها في الصفوف الابتدائية والثانوية والعالية ولذا اختار طريقة أنسب وأيسر، بل –يقال– هو وحيد في أسلوبه أنشأ وأجاد وأتقن.
فنظرا إلى أهمية ما دبج يراع الشيخ المكرم في براعم الإيمان جمع في كتاب مستقل لكي تحفظ ثروة قيمة مفيدة من الضياع والتلف وتعم فائدتها فنشرمن “دار الرشيد، أمين آباد، لكناؤ.
وفي النهاية لا أقول ولاأكتب إلا لم يقم بأي إنجاز نادر وعمل دؤوب سوى هذه المقالات، ذلك مفخرة له ونحن نعتز به ونفتخر، فالله يغدق عليه شآبيب رحمته ويسكنه الفردوس الأعلى.