علم من أعلام الهند الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي

فقدنا – معشر إخوتنا الندويين – أمينا ربانيا
19 مايو, 2025
نفحة من نفحات النسب الطاهر وأريج من عبق الفضيلة
19 مايو, 2025

علم من أعلام الهند الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي

محمد نجم الدين الرحيمي الندوي(*)

(*) الباحث بدار عرفات تكيه كلان رائي بريلي.

إنّ رحيلَ الألماسةِ المتألقةِ في سماءِ العلمِ والأدب، الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي، يُعدُّ مصابًا جللًا وألمًا موجعًا، لا سيما لأهل الفكر وأربابِ المعرفة. خبرُ وفاتهِ نزل كالصاعقةِ على القلوب، إذ لم يكن في الحسبان، ولكن لا مردَّ لقضاء الله، وحكمُه نافذٌ بحكمةٍ ورحمةٍ، فهو الذي يُعطي ويمنع، وكلُّ شيءٍ عنده بأجلٍ مسمّى.

حياته ونشأته:

وُلد الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي في الثالث عشر من سبتمبر عام 1960 في تكية كلان، رائي بريلي. نشأ في بيتٍ من بيوت العلم والدين، فوالدهُ الجليلُ العلامة الشيخ واضح رشيد الحسني الندوي، أحدُ كبارِ مفكري الإسلام في القرن الحادي والعشرين، ورئيسُ قسمِ التعليم والتربية في ندوة العلماء، وعالمٌ يُشار إليه بالبنان. أما والدتهُ الفاضلة، فكانت كريمةَ بنت الشيخِ الدكتور عبد العلي الحسني – الرئيس العام لندوة العلماء سابقا – وكانت ذاتَ فضلٍ وسيرةٍ عطرة.

فليس عجبًا أن يخرج من هذه الدوحة الطيبة فرعٌ نضيرٌ كالأستاذ جعفر، فقد غذّاه أبوه بالعلم، وربّته أمّه على الصلاح، فاجتمع له الخير كله.

بداية رحلته الدراسية:

بدأ تعليمه في حجر أمه، وحفظ القرآن الكريم في صغره، ثم نهل من علوم دار العلوم لندوة العلماء، حتى تضلّع من العلوم الإسلامية والعربية، ومنها تخرّج، ثم ارتحل إلى بلاد الحرمين، حيث التحق بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأتم فيها دورة إعداد المعلمين، وعاد إلى بلاده ليحمل رسالة العلم، ويمسك بالقلم، وليبدأ مسيرته في التدريس والصحافة، ساعيًا لنشر العلم والوعي في أوساط الأمة. فكان معلمًا وأديبًا وصحفيًا، لم يعرف الكسلُ إلى قلبه سبيلًا.

معلِّمٌ وأديبٌ وصحفيّ:

بدأ الأستاذ مسيرته العلمية مُدرسًا في المدرسة العالية العرفانية في لكهنؤ، وكان مُلهمًا لطلابه، يفيض عليهم من علمه، ويغرس فيهم روح البحث والاطلاع، لا يملّ ولا يكلّ، ولا يُضيع وقته فيما لا نفع فيه. وبعد وفاة أبيه وعمّه، تفرغ لخدمة دار العلوم لندوة العلماء، وتحمل مسؤولياتها الكبرى، فتجلّت فيه نجابةُ الشبابِ وحكمةُ الشيوخ، فكان بحقٍّ نِعْمَ الخلفُ لخيرِ سلف.

أما قلمه، فقد كان مرآةً لفكره، ولسانًا لحكمته، لم يكتب إلا ما ينفع، ولم يسطر إلا ما يرفع. فكتبَ في صحيفة الرائد، واشتهرَ بمقالاته في ركن الأطفال، وأثرى أدب الطفل بمؤلفاتٍ لو جُمعتْ في دواوين لكانت مجلداتٍ ضخمة. كان من أعمدةِ الصحافة الإسلامية في الهند، وممن يحملون همّ الأمةِ وقضاياها، لا يكلّ ولا يملّ من الكتابةِ والتأليفِ والخطابةِ، وكان صوتُه في الحقِّ قويًّا، وكلمتُه نافذةً.. كان أديب الأطفال في زمانه، وكاتب الجيل الصاعد، يشحذ عقولهم، ويزرع فيهم القيم والمبادئ، بأسلوبٍ جذّاب، وفكرٍ نَيّر.

أخلاقه وسماته:

كان رحمه الله صورةً حيّةً للأخلاقِ الإسلامية الرفيعة، متواضعًا في غيرِ مذلّة، قويًّا في غيرِ عنف، دمثَ الخلق، لطيفَ المعشر، صادقَ الحديث، محبًّا للناس، قريبًا من القلوب. لم يكن من أهلِ الجدلِ العقيم، ولا من أهل الخصومات، بل كان رحبَ الصدرِ، واسعَ الأفق، عفيفَ اللسانِ، نقيَّ القلبِ. كان خطيبًا بليغًا، يجمعُ في حديثهِ بين رصانةِ الفكرةِ، وسحرِ البيانِ، فيؤثّرُ في مستمعيهِ ويشدُّ انتباههم.

إرثه العلمي والفكري:

كانت كتاباته مرآةً صادقةً لفكره النيّر، ومقالاته مدرسةً قائمة بذاتها هي ميراثٌ خالدٌ للأمة. من أشهر كتبهِ “دعوة الفكر والنظر” بالأردية، كما قام بتعريبِ أجزاء من “كاروانِ زندگي”، فكانت إضافةً قيّمةً إلى المكتبة الإسلامية.

خاتمة ورثاء:

برحيلِ الأستاذ انطفأتْ شمعةٌ من شموعِ العلم، وفقدتِ الأمةُ رجلًا نذرَ حياتَه للدينِ والفكرِ والأدب.

رحل الأستاذ جعفر، ولكنّ أثره باقٍ، وعلمه مخلّد، وسيرته العطرة ستبقى نبراسًا لمن بعده.

×