عن جعفر بن “رشيدٍ” أطيب الخبر
19 مايو, 2025الأستاذ جعفر مسعود الحسني الندوي
19 مايو, 2025دموع على الفقيد السيد محمد جعفر الحسني الندوي رحمه الله
مبين أحمد الأعظمي الندوي
منذ أيام، منذ أن فارقَنا السيد جعفر مسعود الحسني الندوي –رحمه الله– أتناول قلمي لأكتب شيئاً عنه، وأسكب دموعي على صفحات الورق، أو أطلق عبراتي فتسيل بين السطور، ثم أصنع منها حبراً، وأكتب به مقالاً، أقاسم به أحزاني، وأشارك به همومي، ولكني لا أستطيع أن أفعل، يغالبني الدمع، وتفارقني الكلمات، ويجانبني الموضوع، فأضع قلمي جانباً، وأجلس أتصفح أوراق بعض الكتب، أو أفعل شيئا دون ذلك، غارقاً في التفكير، أو هائماً على وجهي في أودية خيال الفقيد، كم كان بسيطاً في يومه وليله! وكم كان عميقاً في علمه وفكره! وكم كان رائعاً في أدبه وثقافته! وكم كان قادراً على بيانه، وفصيحاً في لسانه، ومحافظاً على دينه، وسهلاً في خلقه، وليناً في جانبه، ومكباً على أعماله، وكأن قلبي يلهج بلسان الشاعر:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا | ولا موجعات القلب حتى تولت |
وهذا هو القدر، يفعل بالإنسان ما لا يحب، ويذيقه مرارة الحياة، ويبعده من أقربائه وأحبائه، ويشتته شتاتاً لا اجتماع بعده في الدنيا. أتذكر ذلك اليوم – وكأنه غض طري في ذهني حتى الآن– حينما زار الفقيد رحمه الله معهد دار العلوم لندوة العلماء ونصحنا معشرَ المدرسين نصائح بالغة، وقال فيما قال: “هؤلاء الطلاب أمانة ائتمنا الله عليهم، فإن ضيعنا هذه الأمانة، أصبحنا مسؤولين عنها، وندمنا يوم الجزاء، وإن من الممكن لأحدٍ منا أن يلقى من أي شخص ما لا يحبه، من كلام مُمِضٍّ، أو انتقاد لاذع، أو رفض مؤلم، أو جواب جارح، مما يشوش ذهنه، أو يوتِّر أعصابه، أو يغضبه أشدَّ ما يمكن، فيذهب إلى الصف، ويصب جام غضبه على الطلاب، ولا يؤدي حق التدريس، ويخون الأمانة، فماذا سيكون بعد؟ فكِّروا! وكرِّروا تفكيركم! إذا تخرج هؤلاء الطلاب، أو ذهبوا عنا بعيداً، ثم إذا شعرنا بمسؤوليتنا، وأننا لم نؤد الواجب، فكيف نتدارك خطأَنا، وأين نبحث عن هؤلاء الطلاب، وإذا بحثنا عنهم، فهل يمكن أن نجدهم؟ ونطلب العفو منهم؟ ثم كيف نتمنى على الله؟ وقد كنا أتبعنا أنفسنا هواها”. مثل هذا وذاك، قاله في حديثه، ولفت انتباهنا إلى مسؤوليتنا إزاء الطلاب.
وفي نفس اليوم ألقى خطاباً رائعاً أمام الطلاب، وأتحفهم أيضاً بنصائح غالية، ونبَّههم إلى ما صارت إليه أحوال العالم، وكيف عليهم أن يلبوا نداء العصر، ويواجهوا تحدياته، وفي السياق نفسه، قرآ الآية الكريمة: “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” وقال وهو يشرح الآية المذكورة: “أرى أن في هذه الآية دلالةً على ما تقوم به وسائل الإعلام اليوم، فإنها تريد أن تطفيء نور الله بأفواهها، فتختلق الأكاذيب، وتموه الحقائق، وتقوم بالدعايات ضد الإسلام، وتبث الإشعاعات التي تُلحق الضرر بالمسلمين، وإن الله تعالى أشار إلى ذلك في هذه الآية، وأخبرنا أن مثل هذه الجهود لوسائل الإعلام سوف تذهب أدراج الرياح، ويتم نور الإسلام، على الرغم من الكفار والفساق، وعلى كُرهٍ منهم، ولذا فإن علينا أن لا نيأس من روح الله، ولا نترك جهودنا في سبيل الإسلام، وفي صالح المسلمين”.
أعتقد أن هذه الكلمات هي تحفة كريمة من الفقيد رحمه الله أقدمها عنه إلى الطلاب والدارسين، وإلى المعلمين والمدرسين، فإن قبلوها من صميم قلوبهم، وعمق أفئدتهم، وتمسكوا بها، فسوف تنفعهم في دنياهم وأخراهم إن شاء الله تعالى.