والدي
18 مايو, 2025نجم تلألأ ثم هوى
18 مايو, 2025أيقونة اللغة العربية في الهند المعاصرة الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي
الدكتور محمد سعود الأعظمي الندوي
كان الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي من أبرز علماء اللغة العربية وآدابها في الهند، ونموذجًا للعالم المتفاني في خدمة العلم والمعرفة، عمل الأستاذ الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي كمدرس للغة العربية وآدابها في المدرسة العالية العرفانية التابعة لندوة العلماء، وكان معروفًا بأساليبه المميزة في التدريس التي جمعت بين التفسير العميق للنصوص والشرح الواضح والمبسط للطلاب، مما جعل منه أستاذًا محبوبًا ومؤثرًا.
طرق التدريس التي اعتمدها:
الطريقة المثالية لتدريس اللغة العربية تقوم على أسس تجمع بين الجوانب النظرية والتطبيقية، وهو ما كان الشيخ الندوي يطبقه في منهجه التعليمي. فقد كان يبدأ باستخدام اللغة العربية الفصيحة في حديثه داخل الفصل، مما يوفر للطلاب بيئة لغوية طبيعية تغنيهم بالاستماع المستمر للعربية السليمة. كان الشيخ يعتمد أسلوب تحليل النصوص الأدبية والقرآنية بشكل يبرز الجوانب البلاغية والمعاني العميقة، مما يساعد الطلاب على استيعاب أسرار اللغة وتذوق جمالها.
كما كان يشجع الطلاب على ممارسة اللغة عمليًا من خلال قراءة النصوص المتنوعة، وكتابة المقالات، والتعبير الحر، وهو ما يعزز مهاراتهم في الكتابة والتحدث. بالإضافة إلى ذلك، كان الشيخ يدمج الثقافة الإسلامية في تعليم اللغة العربية، موضحًا أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي نافذة لفهم التراث الإسلامي. من خلال هذه الطريقة، كان يُلهم الطلاب للتعامل مع النصوص التراثية بعقلية علمية وثقافية، مما يمنحهم فهمًا شاملاً للغة وأهميتها في الهوية الإسلامية.
الترجمة والتأليف:
تميز الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي بموهبة فريدة في الترجمة من الأردية إلى العربية، والعكس حيث نقل مجموعة من الأعمال المهمة التي أغنت المكتبة العربية، كما ألف كتبًا قيمة باللغتين العربية والأردية.
في صحيفة “الرائد” ومقالاته التربوية:
شغل الأستاذ الشيخ جعفر مسعود الحسني منصب مدير تحرير صحيفة “الرائد”، ثم رئيس تحريرها، حيث كان له دور بارز في إثراء الصحيفة بالمقالات التربوية والفكرية. ومن أشهر زواياه في الصحيفة “براعم الإيمان”، التي كتب فيها لسنوات طويلة. كانت هذه الزاوية موجهة لتعليم الأطفال والشباب مبادئ اللغة العربية من خلال قصص تربوية، ومقالات أخلاقية، وشروحات مبسطة.
أثر مقالاته في تعليم اللغة العربية:
من خلال مقالاته في “الرائد”، استطاع الشيخ جعفر أن يجعل تعلم اللغة العربية أمرًا ممتعًا وسهلًا للطلاب. فقد تعلم كثير من الطلاب اللغة العربية فقط من خلال قراءة مقالاته، التي امتازت بالوضوح والبساطة مع الاحتفاظ بجماليات اللغة وروحها الأدبية.
في عيون تلامذته:
أخبرني بعض تلاميذه الذين استفادوا من علمه، قائلين: “كان الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي مرشدًا ومعلمًا حقيقيًا. لقد كان يتميز بالصبر والقدرة على إيصال الأفكار بوضوح. كل حصة دراسية كانت تجربة تعليمية ملهمة، حيث كان يأخذنا في رحلة أدبية تثري عقولنا وتغذي أرواحنا. تعلمت منه ليس فقط الأدب والبلاغة، بل أيضًا قيم الإخلاص والجدية في العمل.”
لقد كان الأستاذ الشيخ جعفر مسعود الحسني الندوي منارةً للعلم ونبراسًا للغة العربية في أرض الهند، حمل شعلة التعليم بفخر وأضاء بها دروب طلابه ومحبيه. فقده ليس مجرد رحيل شخص عظيم، بل هو فقد أمة بأكملها، أمة كانت ترى فيه الأمل والقدوة. طلابه وزملاؤه في التدريس يشهدون له بحسن السيرة والتميز في التدريس، إذ كان يتمتع بفهم عميق للنصوص الأدبية، وقدرة فائقة على تحليلها وتفسيرها بطرق تلامس القلوب والعقول. شغفه بالأدب والبلاغة كان واضحًا في كل درس يقدمه، وكان ينقل هذا الشغف إلى طلابه، مما جعلهم يحبون المادة ويتفاعلون معها بجدية وحماس.
ويقول بغيابه، انطفأت شمعة كانت تضيء أروقة العلم واللغة، وترك فراغًا لن يُملأ بسهولة في قلوب محبيه وعشاق العربية. كيف يُنسى من قضى حياته يزرع حب اللغة في قلوب طلابه، ومن خطّت أنامله مقالاتٍ أثرت العقول وألهمت النفوس.
رحلة العطاء والوفاة:
لم يكن الشيخ جعفر مسعود الحسني مجرد أستاذ لغة، بل كان نموذجًا للعالم المتواضع المخلص في عطائه. قام برحلات إلى دول عربية وإسلامية، حيث نقل تجربته وأفكاره إلى أوساط تعليمية وثقافية مختلفة. انتقل إلى رحمة الله إثر حادث مروري أليم في مدينة رائ بريلي يوم 15 يناير 2025م، تاركًا وراءه إرثًا علميًا وأدبيًا خالدًا.