الدكتور أحمد أمين وأشهر أعماله العلمية والتاريخية والأدبية (2)

فيا ليت الشباب يعود يومًا
3 فبراير, 2024
“الحديقة” وجامعها “محب الدين الخطيب”
17 مارس, 2024

الدكتور أحمد أمين وأشهر أعماله العلمية والتاريخية والأدبية (2)

د. محمد وثيق الندوي

ضحى الإسلام:

وأما كتاب ” ضحى الإسلام” (في ثلاثة أجزاء) فإن المؤلف أراد بهذه التسمية الاعتبار الزمني لتدرُّج الفكر العلمي من عصر إلى عصر، يحدث الجزء الأول عن الحياة الاجتماعية والثقافات المختلفة في العصر العباسي الأول، ويتحدث الجزء الثاني عن نشأة العلوم وتطوُّرها في العصر العباسي الأول، ويتحدث الجزء الثالث عن الفرق الدينية من معتزلة وشيعة ومرجئة وخوارج مع بيان تاريخهم السياسي وطابع أدبهم الفني، وقد واجه المؤلف الصعوبة في تحليل العقلية العربية في الصدر الأول من العصر العباسي.

يشتمل الجزء الأول على بابين، عالج المؤلف في الباب الأول الحياة الاجتماعية في العصر العباسي الأول، ويشتمل هذا الباب على ستة فصول، فالفصل الأول يتحدث عن المملكة الإسلامية وسكانها، والعناصر التي تكونت منها الدولة الإسلامية،ويبيّن خصائص كل عنصر منها،كما يلقي الضوء على الاختلافات في الأهواء والاتجاهات السياسية والأدبية، ويتحدث الفصل الثاني عن الصراع بين العرب والموالي، وخلفياته، وتاريخه من الجاهلية إلى العصر العباسي، وأشكاله، ونتيجته،ودور الإسلام في مقاومة هذه العصبية، وإن الفصل الثالث يتحدث عن الشعوبية؛ معناها، ومؤداها،وكيف بدأت، وما أثمرت من جهد أدبي وعلمي، وعنف سياسي،والفصل الرابع يتحدث عن الرقيق وأثره في الثقافة، واختلاف أنواع الرقيق، وميزة كل نوع، وثقافة الجواري وأثرهن في الآداب والفنون مع مقارنة بين الحرائر والإماء، والفصل الخامس يعالج حياة اللهو وحياة الجد، وقارن المؤلف في هذا الفصل بين الأمويين والعباسيين في الحياتين، وبيَّن كيف تدرج اللهو بتدرُّج العصور، إذ بدأ ضئيلاً في العهد الأول، ثم استشرى في العهود التالية، حيث فاضت سيول الترف المسرف وتعدّدت مظاهره في القصور، بينما انعكس الأمر في الأكواخ البائسة التي لا يجد أصحابها ما يقيهم من الشقاء والحرمان، ثم استعرض نتائج الإفراط في النعيم والإفراط في البؤس، كما ذكر أسباب الزهد، ثم ألقى الضوء على أثر هذه الظواهر في العلم والأدب والفن، وأما الفصل السادس، فيتحدث عن حياة الزندقة وحياة الإيمان في العصر العباسي الأول، وقد عالج المؤلف دواعي الزندقة وبيَّن أسباب انتشارها في العصر العباسي، وما أثَّرت على الفكر، وبيّن معاني مختلفة تدل عليها كلمة الزندقة،وكثرة الاتهام بها،ثم ذكر البيئة الإيمانية وروائع من حياة لإيمان.

وإن الباب الثاني بفصولها الستة يتحدث عن الثقافات المختلفة في العصر العباسي من فارسية، وهندية، ويونانية، ورومانية، وعربية، وخصائصها، وامتزاجها، وموقف الإسلام من أخذها أو تركها، يتحدث الفصل الأول عن الثقافة الفارسية وأسباب انتشارها في العصر العباسي وأثرها في الثقافة الإسلامية، وتأثير الفرس في الحياة الاجتماعية، وحركة الترجمة من الفارسية إلى العربية،والدعاة إلى الثقافة الفارسية، وذكر المؤلف عبد الله بن المقفع كممثل للثقافة الفارسية،ويعالج الفصل الثاني الثقافة الهندية، وأثرها في الثقافة الإسلامية، والفصل الثالث يتحدث عن الثقافة اليونانية الرومانية واتصال المسلمين بها، كما يعالج حركة الترجمة من اليونانية إلى العربية، وأثر الثقافة اليونانية في المسلمين، والفصل الرابع يتحدث عن الثقافة العربية واللغة العربية ومكانتها بين اللغات السامية الأخرى، وأثر الموالي فيها، كما يستعرض الأدب العربي وروايته، ودور الإسلام في انتشار الثقافة العربية،والفصل الخامس يتحدث عن الثقافات الدينية من اليهودية والنصرانية والإسلام، وأثر اليهودية والنصرانية في المسلمين؛ في التفسير والحديث،في الفرق الدينية، في الأدب،ويتناول نفوذَ الإسلام في سائر مظاهر الحياة الاجتماعية بالبحث والتحليل، والفصل السادس يتحدث عن امتزاج الثقافات المختلفة، وأثر الإسلام في عملية الامتزاج، وذكر المؤلف الجاحظ وأبا حنيفة الدينوري كممثل لهذا الامتزاج.

وإن الجزء الثاني من أقوي ما كتب الدكتور أحمد أمين ـ كما يرى الدكتور محمد رجب البيومي ـ في هذه السلسلة المباركة، فقد بدأه بكلمة عن قوانين الرقي للعقل البشري بعامة، ليطبقها على الفكر العربي، في صعوده المتوثب، موضِّحًا ما انتهى إليه العلم في العصر العباسي، من تقدُّم ورقي، حلَّل المؤلف أسبابه، وبيّن وجهتي العلوم العقلية والنقلية في التدوين، وأوضح مدى حرية الرأي في هذا العصر.

ويشتمل هذا الجزء على سبعة فصول، فالفصل الأول يتحدث عن الحركة العلمية،والفصل الثاني يتحدث عن معاهد العلم في العصر العباسي، والفصل الثالث يذكر مراكز الحياة العقلية في هذا العصر،وقد تناول المؤلف موضوعات هذه الفصول الثلاثة بالذكر إجمالاً، ثم بيَّن الحركة العلمية تفصيلاً، فيعالج الفصل الرابع حالة علمي الحديث والتفسير،تكلَّم المؤلف عن الحديث والتفسير بدقة إيجاز، وشمول نظرة، وعمق تحليل، على طريقة لم تتهيأ من قبل،وتعرَّض لكتب الأحاديث المشهورة، وبيَّن الفرق بين موقف الأمويين والعباسيين من الحديث،مشيرًا إلى أنفس ما قيل عن الوضع في الحديث، والجرح والتعديل، والخلاف بين المحدثين والمتكلمين،ثم استعرض كتب التفسير المعروفة، والفصل الخامس يستعرض التشريع الإسلامي وأعلامه ومدارسهم،وجهودهم في مجال الفقه الإسلامي،وقد أفاض المؤلف في مسائل الاجتهاد والقياس والحيل الشرعية، وقارن بين مدارس الفقهاء،يقول الأستاذ عبد الوهاب حمودة:

” أما في الفصل الرابع والخامس من ضحى الإسلام (الجزء الثاني) فقد تكلَّم الأستاذ عن الحديث والتفسير والتشريع، ومَن أجدَرُ من الأستاذ أحمد أمين بتوفية هذه البحوث والقيام بواجب تحقيق هذه المسائل، وهو ابن بجدتها وأبو عذرتها، ولا يرضيني في الكشف عن محاسن هذين الفصلين إلا أن أشير على القارئ بقرأتهما حتى يتذوق جمال حقائقهما بنفسه، ويقف على بديع تنسيقهما بدرسه”.(مجلة الرسالة، السنة الثالثة:1935م)

والفصل السادس يتحدث عن اللغة والنحو والأدب وأعلام كل منها،فقد بحث المؤلف الأدب في صميمه واللغة في أصولها بحثًا هادئًا عميقًا، والفصل السابع يتحدث عن التاريخ والمؤرخين والسيرة وأصحابها، والأنساب والتراجم والأخباريين،وقد انتقد المؤلف المؤرخين في بعض الأماكن نقدًا هادفًا في تقدير جمّ، ووقوف عند الملابسات والظروف، وإذا أبدى ما يشم منه رائحة التخطئة فإنه يشبعه بما يخفف وقعه كما فعل مع ابن إسحاق.

وأما الجزء الثالث فإنه يتحدث عن العقائد والمذاهب الدينية في العصر العباسي الأول،ويحتوي هذا الجزء على أربعة فصول، فالفصل الأول يتحدث عن المعتزلة، والفصل الثاني عن الشيعة، والفصل الثالث عن المرجئة، والفصل الرابع عن الخوارج، وقد بحث المؤلف مسائل علم الكلام،وأصول الفرق وعقائدها، والمذاهب الكلامية وأصحابها، ومناهج المتكلمين بأسوب علمي سهل سائغ، وقد كابد المؤلف كثيرًا في تذليل الآراء وتيسيرها،كما عانى الأكثر في مناقشتها، وقد اعترف المؤلف نفسه بمعاناته الشديدة في المقدمة:

“وقد لقيت في هذا الجزء من العناء ما لم ألقه في غيره من الأجزاء، لأن العقائد الدينية قد عملت فيها الأهواء أكثر مما عملت في غيرها من مناحي الحياة، فتحرير المذهب كما يتصوره أصحابه في غاية الصعوبة، والخطوط المرسومة في تحديده في كثير من الأحيان غامضة ملتوية”.

فخلاصة القول إن كتاب “ضحى الإسلام” بأجزاءه الثلاثة ـ كما كتب الدكتور محمد رجب البيومي ـ من أنفس ما كتب الأستاذ أحمد أمين وهو من ذخائر الفكر الإسلامي دون نزاع.

×