وزين لهم سوء عملهم (2/الأخيرة)

في ضوء الواقع: يشتعل هذا العالَم نارًا… فأطفؤوها بشآبيب الحب والرحمة والتسامح!
14 مارس, 2024
الصوم في الإسلام وفضائله
31 مارس, 2024

وزين لهم سوء عملهم (2/الأخيرة)

أشرف شعبان أبو أحمد (الإسكندرية، مصر)

وفي إخباره عز وجلا عن طبيعة الإنسان إذا مسه ضر، من مرض أو مصيبة، اجتهد في الدعاء، وسأل الله في جميع أحواله، قائما قاعدا مضطجعا، ولما يكشف الله عنه الضر، ويدفعه عنه، يستمر في غفلته معرضا عن ربه، كأنه لم تنزل به كروب، ومستثني من ذلك من رزقه الله الهداية والسداد والتوفيق، قال تعالى (كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون) يونس 12 وفي الحديث الشريف (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وفي حديث آخر (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء عند الرخاء) وعن من يحسبون بخلهم ومنعهم ما عندهم، مما آتاهم الله من فضله، من مال وجاه وعلم وغير ذلك، ومما أمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده، فبخلوا به وأمسكوه وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم، بل الأمر على عكس ظنهم، فهو شر لهم في دينهم ودنياهم وعاجلهم وآجلهم، قال تعالى (ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) آل عمران 180

ولقرناء السوء، بما لديهم من قدرات ووسائل، والتي من شأنها أن تصد الإنسان عن الطريق المستقيم، وعن طريق الحق والصواب، دور في تزيين أعمال وزخرفة أقول أقرنائهم، قال تعالى (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والأنس إنهم كانوا خاسرين) فصلت 25 أي هيأنا لهؤلاء قرناء فاسدين يلازمونهم، فزينوا لهم قبائح أعمالهم. فما بالكم إذ كان هذا القرين هو الشيطان ذاته، فمن يعرض عن ذكر الله، ولم يهتد بهدايته، ولم يخف عقابه، يجعل له شيطانا في الدنيا مصاحبا وملازما له، يغويه فيمنعه الحلال ويبعثه على الحرام، قال تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) الزخرف 36 ومن يكن الشيطان له صاحبا وملازما فساء صاحبا (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) النساء 38 وقال تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) الزخرف 67 أي كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيمة عداوة، وقال تعالى (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) الفرقان 27–29

وخلاصة الحديث أن الشيطان لم يترك مجالا من مجالات الحياة يخوضه الإنسان فردا أو جماعة، إلا وزين له سوء عمله فيراه حسنا، فيعجب بنفسه وبكل ما يصدر عنها، ويفتن بكل ما يتعلق بذاته، وينتابه شعور بأنه لا يخطئ أبدأ وأنه دائما على صواب، فلا يراجع نفسه في شيء ولا يحاسبها على أمر، وبالتالي لا يطيق أن يراجعه أحد في عمل يعمله، أو في رأي يراه، وبهذا يتمادى فيما هو عليه من ضلال، إلى ما شاء الله، أما الذي يكتب الله له الهدى، فهو على النقيض من ذلك فهو دائم مراقبته لله في أقواله وأفعاله، ودائما نفسه اللوامة مستيقظة لتحركاته تنبه لتصرفاته، ودائما يخشى ربه ويخاف سوء الحساب، ويدرأ بالحسنة السيئة، وهذا هو مفترق الطرق بين الهدى والضلال، وبين الفلاح والبوار. كما بينت الآيات، ما أشرنا إليه في أول المقال، في أن ما هو عليه البعض ممن عصوا الله، من مال وبنون وبحبوحة من نعم الله، ليس لخير فيهم يستحقونه، ولا لرضا من الله عليهم، ولا تكريما لهم، فليس الأمر كما يظنون، وإنما هو إملاء واستدراج لهم، لكنهم لا يحسون ذلك، قال تعالى (يحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات) المؤمنون 55 وقال تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادا إثما ولهم عذاب مهين) آل عمران 178 وقال عليه الصلاة والسلام (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وأن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا لمن أحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه)

وأخيرا فإن كل ما يعود بالنفع والخير على الإنسانية أجمع وعلى كل كائن حي، وعلى الكون بمحتوياته، سواء كان عمل من أعمال البر في أي من أبوابه، أو اكتشاف شيء كان مجهولا في أي من التخصصات العلمية والأكاديمية، أو اختراع فكرة جديدة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، يعد من الأعمال الصالحة، فإذا قام بها غير المسلم، فإن الحق يخبرنا في محكم تنزيله، أن صاحبه يستفيد منها في الدنيا، يجازى ويكافأ عليه فيها، فتتحقق له منافعه التي يرجوها، وما له في الآخرة من نصيب، قال تعالى (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) هود 15– 16 والمسلم يجاز علي أعماله تباعا لنيته، فإذا قام بها لإبراز مهاراته أو تفوقه أو للحصول على مغنم دنيوي، سواء كان منصب أو ترقية أو غيرهما من الامتيازات، فهو أيضا يجازى ويكافأ عليها في الدنيا، بما يناسب مجهوده وبما يراه أصحاب الأمر في ذلك، أما إذا كانت نيته التعبد والتقرب لله سبحانه وتعالى، وطمعاً في نيل رضاه والحصول على الأجر والثواب، فيكون سببا في سعادته في الدنيا ودخول الجنة في الآخرة. فمن الشروط الواجبة في كل عمل سواء كان عملا دينيا أو دنيويا: أن لا ينفصل عن الإيمان بكل شعبه، وموافقا لما شرع الله. وأن يكون متقنا، ذلك لكون الإتقان من أشكال الإحسان، والذي هو الرتبة الثالثة من مراتب الدين الإسلامي، والتي تتضمن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، وأن يكون العمل خالصا لوجه الله الكريم وابتغاء مرضاته، وبإخلاص النية لله، بتجرد الإنسان من حظوظ النفس، التواقة إلى الذكر والشهرة والمدح والثناء من الناس، وليس عليه جناح أن يبتغي من فضل الله ونعمه مع ذلك أيضا، للاستعانة به على طاعة الله، وفي ذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

×