سعيد الأعظمي الندوي

الأمة الإسلامية مثلت دور الوسيطية في كل عصر ومصر، وتميزت بالتوازن والاعتدال في جميع الشئوون اليومية والحيوية، فمن قيادة العالم إلى رعاية الأسرة اتسمت بهذه الميزة، ونالت وسام الشهادة بمنجزاتها الواسعة في مجال العلم والإيمان، والعقيدة والسلوك، والواقع الذي يزخر به التاريخ الإسلامي،إن خلعة الشهادة التي خلعها الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة مفخرة عظيمة من مفاخر النوع البشري، وهي تعنى تركيز القوى، وتجنيد جميع الطاقات، والوسائل كلها في طريق الدعوة إلى الله، وترسيخ دعائم التوحيد والرسالة في الحياة، وتعميق جذور الإسلام الشامل الكامل إلى أعماق النفوس، ذلك الإسلام الذي يقوم على أساس شهادة الحق، ويرتفع صرحه العظيم على قاعدة أركانها الخمسة العملاقة الخالدة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:”بني الإسلام على خمس: شهاة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان”.

إذا تأملنا في هذه الشهادة التي صرح بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أدركنا حقيقة الحياة الإسلامية التي تتلخص في توحيد الله تبارك وتعالى بجميع أنوع التوحيد، والإيمان برسالة النبي الحبيب محمد صلى لله عليه وسلم الذي كان رسولاً مبعوثًا من الله تعالى كخاتم النبيين : “ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليمًا” ( الأحزاب: 40). ولذلك فإن الأمة الوسط مسئولة عن أداء واجب الشهادة على أن الحياة الناجحة المطمئنة السعيدة لا تتحقق في أي مجال فردي أو جماعي إلا بما إذا كانت الأمة قائمة بواجب الشهادة، وكان الناس متبعين إياها في كل شيء، كما أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يكون شهيدًا على الأمة في أداء مسئولية الشهادة التي ألقيت عليها، والأمانة التي نيطت بها، وذلك بتعليمها أسس الشهادة، وقواعد الأمانة، وتربيتها على طرق آدائها بمناهجها وأنماطها، وأساليبها، وآدابها.

فقد قال الله تعالى وهو يتحدث عن هذه الأمانة وثقلها وتبعتها: “إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا” ( الأحزاب:71-73)

ومن ثم يكون عمل أداء الشهادة والأمانة عملاً متقنًا لا تغيره العوامل، ولا تؤثر فيه الظروف ولا يحلو دونه عوائق زمانية أو مكانية، وقد أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ رسالته إلى الناس من غير انتظار أو تأخير: “…ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين….” (المائدة: 67) فظل عليه الصلاة والسلام قائمًا بذلك حتى أتم الله تعالى حجته على الناس، وآذن بكمال الدين.

وأعلن مدويًا مجلجلاً: “أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاْسْلامَ دِينًا” ( آل عمران: 3).والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.