أفضلية الإنسان بأمانة الدين
20 مايو, 2025نبوة صادقة تتحقق اليوم
سعيد الأعظمي الندوي
هناك كثير من النبوءات التي صدرت من لسان النبوة، وهي أوضح دليل على أن النبوة ختمت بخاتم الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم، ومن بين هذه النبوءات ما رواه أبوداود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: لا بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، قال قائل: ما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت”.
إن قليلاً من الاستعراض لمعاني هذه النبوة الكريمة يكشف لنا الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، وهو واقع تداعي الأمم المادية بكاملهاـ والتي تتزعمها اليهودية العالمية والصهيونية الماكرة ـ على الأمة، والهجوم عليها من كل جانب لتجريدها عن دينها، وإبعادها عن منصبها وإضعافها، بل فصلها من تميزاتها وخصائصها التي منحتها زمام القيادة العالمية، وجعلتها في مقدمة الصفوف دائمًا، والتاريخ الإسلامي يزخر بأمثلتها، والعالم كله يعرف حكايات هذه القيادة التي تولت توجيه المجتمعات الإنسانية إلى الوجهة الصحيحة التي كانت سببًا للأمن والسلام، والأخوة والوحدة التي تنظم البشر كلهم بنظام من الحب والثقة، والتعاون والخير.
أما ما تجتازه الأمة اليوم من أوضاع سيئة، نحو دينها وكتابها ونبيها ونحو عقيدتها، فليس ذلك إلا من قبيل تداعي الأكلة على القصعة، وإن هؤلاء الأكلة لم يتمكنوا من الجراءة البالغة على تحقيق أحلامهم في المسلمين وبلدانهم إلا من خلال ذلك الاستغلال البشع الذي كانت الغفلة قد مهدت الطريق لهم إليه، وكان التناسي الذي ـ تواصف به المسلمون اليوم ـ لرسالتهم ودعوتهم هو السبب الأول لغزو العدو في عقر ديارنا.
وقد بلغت هذه الغفلة ببعض المسلمين ممن روثوا الإسلام أبا عن جد، إلى أنهم لم يروا بأساً فيما إذا استخدمهم العدو، لتحقيق بعض أغراضه الخسيسة وتوفير وسائل الهدم والتخريب عن طريقهم، تشويهاً لسمعة الإسلام، واتهامه بالإرهاب والوحشية، ومما لا مراء فيه أن مشاركة المسلم في عمليات تقليل أهمية الدين الإسلامي، وعدم جدواه في العصر الراهن عون كبير على محاربة الإسلام وتعاون على الاثم والعدوان.
ولا شك فإن المنهج الإسلامي للحياة يساعد في بناء الحضارة الإنسانية التي تتكفل بالسعادة والأمن والطمأنينة في كل عصر ومصر، وتمنح الإنسان وجهة صحيحة للعمل بتعاليم الإسلام، وتوجيهات الدين لإسعاد الحياة في الدنيا وفي الآخرة جميعًا، ولقد بشر الله سبحانه وتعالى أولئك المؤمنين الذين يقولون: ربنا الله ثم يستقيمون بالأمن والأمان وبالسرور والهدوء، وبالجنة، ثم بالولاية في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والوعد بالعطاء من كل نعمة تشتهيها النفسن وتتطلع إليها، يقول الله سبحانه:”إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ” (حم السجدة: 30–32).
فإذا كان المسلم مع هذه البشارة الصريحة والوعد المفعول ينخدع بالأضاليل والأباطيل فلا يعنى ذلك إلا أنه لا يثق بوعد الله تعالى، وقد فقد ثقته بالدين، وانعزل عن جماعة المسلمين، وأصيب بالوهن الذي وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم الذي تحيط به الظروف المضادة، كما هو الشأن اليوم مع الأمة المسلمة التي وقعت فريسة الخوف والحزن وتداعت عليها الأمم تطالب منها الانعزال عن الدين القديم، والارتضاء بدين جديد يسمى بالإسلام، ولكنه لا يكون إلا إسلاما محرفًا، ودينًا مشوهًا لا يمت بأي صلة إلى الدين الذي سماه الله تعالى بالإسلام، فقال:”إن الدين عند الله الإسلام”.
إن الوضع الرهيب الذي يعيشه المسلمون اليوم يشبه وضع اللقاء مع فئة كافرة، ومواجهة عدو عنيد، فليس من حكمة الإيمان في شيء أن نلين له ونخضع أمام شرته، بل الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالثبات والذكر والطاعة والوحدة والصبر، في مثل هذا الوضع:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” (الأنفال: الآيتان: 45–46)..