العادل كما يصفه الحسن البصري رحمه الله

الإسلام دين السلام الاجتماعي
12 يناير, 2023
الإسراء والمعراج
5 مارس, 2023

العادل كما يصفه الحسن البصري رحمه الله

سعد يوسف أبو عزيز

كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى لما ولى الخلافة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكتب إليه الحسن، رحمه الله:

“اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم ومفزع كل ملهوف، والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويُكنَّها من أذى الحرّ والقرّ.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها حملته كرها ووضعته كرها وربته طفلاً، تسهر لسهره، وتسكن لسكونه، ترضعه تارة وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى وخازن المساكين، يربي صغيرهم، ويمون كبيرهم.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه وتفسد بفساده.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم.

فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله عز وجل كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله، وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله.

واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟.

واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده وقلة أشياعك عنده، وأنصارك عليه، فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر.

واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلاً غير منزلك الذي أنت فيه، يكون فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، يسلمونك في قعره فريداً وحيداً، فتزود له ما يصحبك، “يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه” [عبس: 34–36].

واذكر يا أمير المؤمنين: “أفلا يعلم إذا بعثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحَصَلَ مَا فِي الصدور” [العاديات: 9-10، ] فالأسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

فالآن يا أمير المؤمنين وأنت في مَهَل قبل حلول الأجل، وانقطاع الأمل لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك، ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك.

ولا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غداً وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحي القيوم.

إني يا أمير المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولو النهى من قبلي، فلم آلك شفقة ونصحا، فأنزل كتابي إليك لمداوى حبيبه، يسقيه الأدوية الكريهة، لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته(9).

الهوامش:

  1. العقد الفريد، ص: 35–36، صلاح الأمة، 6/25–27.
×