سلامة الصدر من الأحقاد
12 يناير, 2023العادل كما يصفه الحسن البصري رحمه الله
12 يناير, 2023الإسلام دين السلام الاجتماعي
د. إبراهيم نويري (الجزائر)
مما لا شكّ فيه أنّ الشعور بالأمن والسلام والهناء والطمأنينة. يُعدّ شرطاً من شروط الاستقرار الذي يَعُدّه العلماء العامل الأول لبناء الحضارة وإرساء قواعد التقدم الإنساني. أما التنازع فلا مناص من ا أنه يفضي إلى إرباك وزعزعة السلام والاطمئنان، والعصف – من ثمة – بمرتكزات الاستقرار الاجتماعي الذي يُعتبر العامل الحيوي لازدهار ونمو وتطور المجتمعات الإنسانية.
وعليه يصح أن نجزم بأن المختلفين اختلاف التعادي والتباغض والافتراق إنما يرتكبون جريرة فادحةً في حق الأمن والسلام والوفاق والتعاون… ونحن عند التأمل نجد أن الإسلام نفسه مشتق من دلالة لفظة “السلم” و”السلام” و”السلامة”.
بل إن السلام هو أحد أسماء الله الحسنى، ودار السلام كما ورد في أكثر من موضع في القرآن الكريم هي جنة الخلد وفردوس النعيم التي يُجزى بها المؤمنون لقاء إيمانهم الصحيح وأعمالهم الصالحة. قال الله تعالى: “لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” [الأنعام:127].
ومن المقطوع به أن تعاليم الإسلام تهيئ المسلم منذ مراحل التنشئة الأولى لتوقير وإجلال هذه القيم الجليلة، فتزرع في وجدانه وتطبع في سلوكه نزوعاً تلقائياً إلى السلام والسلم والمسالمة والمعايشة.
حتى إنّ كلمة السلام ومشتقاتها ذكرت في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة. حين لم تذكر كلمة الحرب ومشتقاتها سوى في ست آيات فحسب!
إن السلام قيمة إسلامية، والمسلم الحق ينشد بفطرته الصافية وأصل تكوينه السلام ويتعبد في صلاته بالسلام ويُشيع السلام فيما حوله وقد بلغ الأمر بالإسلام – حرصاً على تثبيت هذه القيمة – أن دعا أتباعه وأرشدهم إلى عدم تمني لقاء العدو لكن مع ضرورة التشبث بالصبر وبذل الوسع في المغالبة والإصرار على النصر في حال اللقاء.
وذلك من باب التشديد والرغبة في إرساء دعائم السلم والسلام كما أن الإسلام قد جعل قاعدة
التواصل والدعوة والنصح هي الأصل في العلاقة مع المخالفين حتى إن قارئ السيرة النبوية الشريفة تُلفت انتباهه بقوة خصال وخلال الرقة والمسامحة ولين الجانب والعفو والحرص على توطيد روح السلم والمؤاخاة والنأي حتى عن الألفاظ والأسماء والصفات التي توحي بنقيض تلك الخلال والشمائل الإنسانية النبيلة الرقيقة.
ومن ذلك – على سبيل المثال – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره مجرد كلمة “حرب” ولا يحب سماعها، ولقد علم أصحابه قائلا: أحَبُ الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدق الأسماء حارث وهمام. وأقبح الأسماء حرب ومرة… وكان العرب في الجاهلية يسمون أبناءهم “حربا” و”مرة”. فكره للمسلمين أن يُسموا أبناءهم بذلك، حتى لا يتعودوا سماع كلمة حرب” أو ما يقوم مقامها من كلمات وألفاظ وكفى بهذا حرصاً من الإسلام على السلام والأمن والطمأنينة وحب الاستقرار.
فهذا الدين الخالد يقرّ بأن تحقق السلم الاجتماعي شرط رئيس وعامل حاسم لتوفير الأمن والطمأنينة في النسيج المجتمعي، وتعليل ذلك أنه إذا فقدت حالة السلم والوئام الداخليين أو ضَعُفت إلى حدود بعيدة أو ملحوظة: فإن النتيجة الطبيعية لذلك تدهور التماسك العام في المجتمع، فتسود تبعاً لذلك حالة الخصام والصراع. وفي ذلك خطر ماحق على المصالح العليا للوطن وسلامة الدين ومصالح العباد.
فلنحافظ على سلامة واستقرار أوطاننا، ولنتشبث بالوحدة والتآزر والتكافل والتعاون، كي نجني ثمار الازدهار والتقدم والتنمية.