إنما المرأ بأصغريه

قد رشحوك لأمر لو فطنت له
21 نوفمبر, 2024
صلاح الكون بصلاح القلب
25 ديسمبر, 2024

إنما المرأ بأصغريه

محمد خالد الباندوي الندوي

إن الإسلام – أيهاالأخ – يدعو أتباعه إلى التحلى بالصفات الحميدة والتخلق بالأخلاق الفاضلة، ومن أولوياته: إقامة العدل في ظهر البسيطة والقضاء على كل ما طرأ عليها من الشرك والإلحاد، بجانب تطهير القلوب من الأرجاس وتنقية النفوس من الضغائن والأحقاد لذا أولى الإسلام اهتمامه بنقاء المجتمع من الرذيلة وصفائه من الفواحش، حيث يتكون جو ملائم يعيش فيه الإنسان سعيدًا متمتعا بالعافية، ويقضي حياته هنيئ البال فارغا قلبه من الهموم والأحزان بعيدا عن الحقد والضغينة. إذ معظم الأمراض الروحية لا تتولد إلا من سوء استعمال اللسان أو استعماله في غير موضعه، وكثيرا ما يكون أكبر ما يعكر صفو الحياة البشرية ويشوش صفاءها، وإذا أنعمت النظر وجدته سببا كبيرا لإحداث الضغائن في القلوب واستجلاب العداوة والبغضاء في النفوس وهو الذي يشتت شمل الألفة ويقطع حبل المودة ويفرق بين الألاف ويباعد بين الأقارب حتى يحدث النفور والتباعد في جميع القرابات. لذا أكد الإسلام على إمساك اللسان إلا في خير لأنه لا شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان.

وقد رأيت – أيها الأخ – أن الحياة تتوقف سعادتها على مودة القلوب، وتنحصر لذتها في إدخال السرور عليها، وإن اللسان يلعب دورا بارزا في تحقيق سعادة الحياة وتنمية العواطف الودية والمشاعر الطيبة إذا أحسن صاحبه في استخدامه وتجنب من إكثارالكلام في غير موضعه، فربما يتكلم الأنسان عن أخوته وأصدقائه، أو من يعاشره ويصاحبه وهو لا يبالي بمدى تأثيره، فكثيرًا ما تخرج من لسانه كلمات تجرح قلوبهم ومشاعرهم، فيخسر في معركة كسب القلوب ويقع في حبائل الذنوب، ويكون أقرب إلى العواقب الوخيمة منها إلى الالتزام بالصدق والواقعية، وإن كثيرًا مما يعتبره من باب الصدق والحكمة يتنافى مع تعليم الإسلام، وربما تبين له خطؤه يندم وأي ساعة مندم. يقول الشاعر:

يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرأ من عثرة الرجل

ونسوق فيما يلي قصة غلام هاشمي مع سيدنا عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه– تبيّن لنا أهمّيّة اللسان وطريقة استخدامه ونستوحي من خلال القصة الرائعة شروط الكلام.

“حينما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز، وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجاتها وللتهنئة، فوفد عليه الحجازيون، فتقدم غلام هاشمي للكلام، وكان حديث السنّ، فقال عمر: لينطق من هو أسنّ منك، فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله عبداً لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسنّ، لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك, فقال عمر: صدقت، قل ما بدا لك، فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين، نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة، وقد أتيناك لمنَّ الله الذي منَّ علينا بك، ولم يقدمنا إليك إلاَّ رغبةٌ ورهبةٌ، أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا، وأما الرهبة فقد أمنّا من جورك بعدلك,فقال عمر: عظني يا غلام، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين، إن ناساً من الناس غرهم حلم الله عنهم وطول أملهم، وكثرة ثناء الناس عليهم فزلّت بهم الأقدام فهوَوا في النار، فلا يغرنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك، فـتزلّ قدمك، فتلحق بالقوم، فلا جعلك الله منهم، وألحقك بصالحي هذه الأمة، ثم سكت. فقال عمر: كم عمر الغلام، فقيل له: ابن إحدى عشرة سنة، ثم سأل عنه فإذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه، فأثنى عليه خيراً، ودعا له، وتمثَّل قائلاً:

تعلم فليس المرء يولـد عالمـاً وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
فإن كبير القوم لا علم عنـده صغيـر إذ التفت عليه المحافـلُ

اللهم ارزقنا قلباً حافظاً، ولساناً لافظاً

×