قد رشحوك لأمر لو فطنت له

مثال للحوار البليغ
4 نوفمبر, 2024
إنما المرأ بأصغريه
10 ديسمبر, 2024

قد رشحوك لأمر لو فطنت له

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف ترى – أيها الأخ – تلك المصائب التي ابتليت بها الأمة،والمحن التي ضيقت خناقها،فما هي مصدر تلك الشدائد والنكبات؟ فلو فكرت قليلا وتدبرت فيما وهبك الله من الكتاب والسنة لوجدت أن التنازل عن الدين أساس النكبات، والتكاسل في العبادات جماع الخسران والتغافل عن أداء المسؤوليات ملاك الخزي والهوان.

إن هذا الخسران الذي قد هز كياننا وهدد حصوننا، وخضد شوكتنا ليس إلا انهماك الجيل الناشئ في الحصول على الثروة،واعتبارهم إياها مصدرا وحيدا للسعادة وراحة البال، وتكاعسهم عن الوظفية المهمة التي على كواهلهم نحوالدين والأمة.

فلو سألت اليوم شابا مسلما “إلى شيئ تطمح” ؟ وما هي أهدافك في الحياة؟ وغايتك وراء الجد والاجتهاد في طلب العلم؟ لا ريب أنه يرد عليك: أريد ثروة مفرطة، وأطمح إلى أن أحصل مبلغا كبيرا من المال، فإذا سألته لماذا تقصد ثروة؟ لأجابك: لأن الثروة تحقق الآمال وتوفر الراحة في الحياة. فإذا سألته: هل لحياتك بقاء إلى الأبد وضمان للأبد؟ لم يحر جوابا. ولا ريب أن قلبه يقول “لا”. فلم هذا الانهماك على المال؟ ولماذا اقتتالهم على اللذات الفانية؟

فقد نرى شبابنا اليوم عكفوا على الدنيا وحطامها ونسوا ما عليهم من الواجبات، وتغافلوا عن سر سعادتهم وشرفهم الكبير، مع أن رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم صرح في كثير من الأحاديث الشريفة أن الدنيا دار يعتريها الفناء ويقضى عليها بالزوال، ولا يدوم لها قرار،وأن المال يوفر الراحة في الدنيا فحسب ولا يوفر الراحة في الآخرة، وإن الآخرة هي دار القرار ليس لها زوال،وإن المؤمن الحقيقي الذي يضع نصب عينيه الآخرة، ويتطلع إلى السعادة فيها ويبذل لها كل مالديه من الرخيص والغالي. يقول القرآن الكريم:

“مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ” [سورة الشورى، الآية: 20].

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “لو كان لابن آدم واديان من ذهب لم يشبع وتمنى أن يكون له ثالثا ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب”.

إني إقول لك – أيها الأخ – اعمل واطلب المال ولكن لا تعتبره وحده بوابة السعادة، فلا تتحسر إذا فاتك منه شيئ، ولا تعتقد أنك إذا حرمت المال فقد حرمت الحياةأو حرمت الخير الكثير، أكرم نفسك ولا تهنها في طلب الأشياء الحقيرة،فإنك قد خلقت لأمر عظيم ومطلب شريف،فاجتهد للسعادة الأبدية، وعود نفسك على الصبر والمثابرة في الدنيا رجاء الراحة الدائمة في الآخرة، ولا تنازل عن الدين وشعائره فإنه قوام سعادتك في حياتك، ومنبع شرفك، وإن الدنيا خلقت لك وقد خلقت للآخرة وحدها. ولله در القائل:

قد رشحوك لأمر لو فطنت له فأربا بنفسك أن ترعى مع الهمل
×