طبيعة الإنسان، توحيد الرب الخالق!

نحن المسلمين، بين الغابر والحاضر!
3 أغسطس, 2019
كيف يمكن بناء الحياة الاجتماعية السعيدة؟!
21 سبتمبر, 2019

طبيعة الإنسان، توحيد الرب الخالق!

ليس الإنسان المسلم هو المسئول فحسب عن توحيد ربه الذي خلقه، وصنع الكائنات كلها،وأنواع الحياة بأجمعها في هذا العالم البشري، بل الواقع الثابت الدائم والخالد أن كل ما في السماوات والأرض وكل ما بينهما من خلق وأمر، إنما يرجع إلى الله الواحد القهار الغالب، الذي لا يدرك كنهه أي قوة متمكنة أو طاقة هائلة مهما تجمعت القوى والطاقات كلها بأنواعها وألوانها وأصبحت قوة موحدة “اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ” [البقرة:255].

فإذا وجدت حكمة أو علم أو صناعة بأرفع مستواها وأعلى صفاتها فإنما هي من وحي الإله الواحد الأوحد، وليس للإنسان أي نصيب فيها إلا ما أوحى إليه من المعاني وأرشده إليها من حكمة وطرق مهما كانت دقيقة لا يكاد يدركها كل إنسان أو جماعة أو مجتمع، ألا ترون إلى النحل، تلك الحشرة المخلوقة الصغيرة كيف تتلقى وحي الله تعالى في صناعة بيوتها من الجبال والأشجار والعرائش لكي تتمكن بمشيئة ربها تبارك وتعالى، من ادخار لعابها في صورة مادة عذبة مطهرة تكون شفاء وعلاجاً للأدواء المختلفة في المجتمعات البشرية “وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ” [النحل:68].

فإذا كان الذباب والنمل وأصغر خلق من مخلوقات هذا الكون خاضعاً أمام أوامر الله وتوجيهاته ويفهم من الإشارات اللطيفة ما يريده الخالق العظيم، فكيف بالإنسان السميع البصير، والمتميز بالعقل السليم، لا يفهم معاني خلقه في أجمل صورة وأروع مظهر، وأكمل عقل بين العقول المخلوقة، إذ أن من طبيعته أن يدرك السر في تحلية الكون وتزيين الكائنات كلها بمكانته المتميزة عن كل خلق صغير أو كبير وعن كل كائن ضخم أو حقير، ومن ثم جعله الله سبحانه خليفة في الأرض يقوم بنشر حقيقة توحيد الله تعالى وتنفيذ أوامره وتعاليمه في الأرض في ضوء التوجيهات والدروس التي تلقاها آدم عليه الصلاة والسلام من ربِّه ومن جاء بعده وأُرسل من الأنبياء والرسل، ممن تابعوا تعاليم الإسلام وأحكام الله تعالى ووجهوا دعوة التوحيد ونبذ الشرك الذي أبغضه الله تعالى من كل خلق فضلاً عن الإنسان، ولنقرأ قليلاً من حياة أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام كيف أنكر الشر وحارب أهله وأنكر أباه لتركيز معاني التوحيد لله تعالى في بؤرة الفساد والشرك التي قامت بإقامة محرقة كبيرة وألقت فيها الداعية إلى عقيدة توحيد الله تعالى،ولكنها أبت أن تنال إبراهيم بأي سوء وخرج منها سالماً غانماً “قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ” [الأنبياء:69-70].

وجعله الله تعالى إماماً للبشرية وأول داعية إلى عقيدة التوحيد الطبيعية التي تتغلب على كل طبيعة مزورة وعلى كل طريق تقليدي لا يمت إلى طبيعة الإنسان الواقعية بأي صلة، حتى إننا نرى العالم البشري بأغلب أفراده عائش في التقاليد الباطلة ومعرض عن الطبيعة الحقة متناسياً هذه العقيدة الراسخة والدائمة، حتى إن المجتمع المسلم يعيش في غفلة عنها، وقلما يتوجه أعضاؤه إلى حقيقة التوحيد، وأصبح كثير منا يدعي بأنه مسلم ومحارب للشرك ولكنه في كثير من أحواله وظروفه لا يميز بين التوحيد والشرك ويتقدم بخطوات حثيثة إلى كل ما فيه ربح مادي أو نفعية عاجلة وإن كان يشوب ذلك نوع مما يعارض توحيد الله تعالى، ويمهد الطريق إلى الإشراك به.

فما أحوجنا إلى تربية دينية وتوجيهات فعلية في تطهير نوايانا ومجتمعاتنا وحياتنا الفردية والجماعية و بذلك نتبرأ عن أداء حقنا نحو عبادة الله والالتجاء إليه في جميع شئوننا وحاجاتنا ونمثل نموذجاً للناس جميعاً بإذن الله تعالى، ونستدل على أن الإنسان موحد بطبيعته، مفتقر إلى الله تعالى في كل لحظة من حياته، فردية كانت أوجماعية.

“هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ” [الحشر:23].

“وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ” [الأحزاب:4].

(سعيد الأعظمي الندوي)

×