طبيعة الإنسان، توحيد الرب الخالق!
7 سبتمبر, 2019من تواضع لله رفعه الله
29 سبتمبر, 2019كيف يمكن بناء الحياة الاجتماعية السعيدة؟!
من الأمراض الاجتماعية التي تنال الذيوع والانتشار بين الناس بكل حرية، إنما هو داء خطير لسوء الظن، وعلى جميع المستويات الفردية والجماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية حتى على المستوى العلمي والفكري والديني الذي كان بريئاً من كل عيب أو داء، وكان يعتبر ميزة العلم والعلماء، وكان الناس في كل بقعة من بقاع العالم يعتزون بالمستوى العلمي ويعتبرونه ملجأ الإنسانية في كل زمان ومكان، وفي كل شعب وبلد، فكانت الإنسانية ذات اعتبار وقيمة من خلال هذا المستوى من غير تفريق بين العالم والأمي والقروي والمتحضر والسيد والخادم.
إلا أن عوامل الزمان والحضارات المادية داست طهارة العلم والثقافة ومستواهما البريئ الزكي بالأقلام النجسة وأفقدت هيبته وطهره من القلوب والبيوتات مع أكاذيب “الظن” وفتنته التي قامت بدور نشر الأكاذيب وسوءات الخلق، وتدنيس صفاء جوهرة القلب والفكر العالي في جميع المجتمعات على اختلاف البيئات والأسر.
هذا النقص الغريب مشاهد اليوم بطرق شاملة حتى في طبقات من أهل العلم والثقافة في مراكز التعليم والتربية وفي البيئات المختلفة لذوي العقول الذكية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تنبأ في فجر التاريخ بهذا الخطر، وخاف على الأمة إذا وقعت فريسة له في أي زمان ومكان فحذر الناس وقال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث” وقد رأى الناس نتائج الظن بعيون باصرة، كيف أن هذا الداء العضال يعمل في إفساد العلاقات الإنسانية وهدم جدارها الحسن الجميل، ونشر العداوات والخلافات بين الأفراد والجماعات، أفلا يحسن هنا أن ننقل هذا الحديث الصحيح بكامله ليكون ضوؤه المشرق متكاملاً في مجال إسعاد الحياة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونواعباد الله إخوانا كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لايظلمه ولايخذله ولا يحقره، التقوى ههنا التقوى ههنا، ويشير إلى صدره، وبحسب امرئ من الشرّ أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله، إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
فإذا فتشنا عن أساليب حياتنا المعاشة في ضوء هذا الحديث الشريف أدركنا ما فيها من نقص أو زيادة وما فيها من عيوب وفضائل، وهو في الواقع مدرسة كاملة للتربية وقضاء أيام الحياة، سواء على المستوى الفردي والجماعي، ووجدنا أن الحياة التي نعيشها اليوم بأمس حاجة إلى إصلاحات وإلى دراسة عميقة في المعاني التي يحويها الكلام النبوي البين الواضح.
فإذا تساءلنا عن تربية الإسلام لأعضاء الأمة المسلمة هل هذا هو الطريق الأصيل لإسعاد الحياة في عالمنا البشري وتسهيل الحساب في الآخرة لكان الجواب بأكثر من “نعم” واحدة، وليس هذا العالم المعاصر يعيش في حرمان كامل من هذه النعمة السماوية، بل إن هناك جماعة من أصحاب العلم والمعرفة تعيش في ضوء هذه التربية الطبيعية وتمثل نموذجاً للآخرين، وما ذلك إلا حكمة هذا الدين من الله تعالى، وليس ذلك إلا دليل خلود تعاليم الإسلام في بناء الإنسان، فردياً واجتماعياً، وبنائه من جميع النواحي المادية والروحية، وليس إلا تمهيداً للطريق إلى الله تعالى والاتصال به مباشراً، والدخول في جناته بالترحاب: “عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر” وفي الحديث الذي مر ذكره “بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم” ولعل هذا الإنذار لمِن أشد ما يفسد الحياة الاجتماعية ويحول دون الوصول إلى درجة المسلم الكامل الذي يصنع نموذجاً كاملاً لتشييد البنية التحتية للحياة الإسلامية السعيدة التي يتوخاها الإسلام من أتباعه.” فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره”.
(سعيد الأعظمي الندوي)