جهود الطبيب جون تيتلر الإسكتلندي في نقل الكتب العلمية والطبية إلى اللغة العربية (1)
3 فبراير, 2025الابتلاء وأثره في تمييز الصفوف
22 مايو, 2025وداع رمضان واستقبال العام الدراسي الجديد
خليل أحمد الحسني الندوي
سأتحدث في هذا المقال عن محورين:
المحور الأول: شهر رمضان المبارك وما يقتضيه هذا الشهر الكريم:
انقضى شهر رمضان المبارك، ذلك الشهر العظيم الذي حمل في طياته أنواعًا من الخير والفضائل، شهرٌ ترفرف فيه أجنحة الرحمة، وتتنزل فيه البركات، ويُعطر الجو بعطر العبادة، والشكر، والإحسان، هو شهر الجود والعطاء، والمساواة والمؤاساة، شهرٌ أنزل فيه القرآن الكريم هداية للناس، شهرٌ فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، شهرٌ يصفد فيه الشياطين، وتغلق أبواب جهنم، وتفتح أبواب الجنة، شهرٌ تمتلئ فيه المساجد بالمصلين الذين يشهدون صلاة التراويح، وتفيض قلوبهم خشوعًا ورجاءً.
إنه شهر الصوم، ذلك الصيام الذي لا جزاء له إلا الجنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”، ولكنه من المؤسف أن أغلب المسلمين قد قيدوا هذه الأعمال الطيبة الصالحة بشهر رمضان فقط، وكأنها محصورة في أيامه المباركة، في حين أن الإسلام يدعونا إلى أن تكون تلك الأعمال جزءًا من حياتنا اليومية طول العام، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً”، وتوجيهه هذا يستدعي أن نعيش الإسلام في كل زمان ومكان، لا في رمضان فقط، فما كنا نمارسه من جود، وعطاء، وصلة رحم، وعبادة، يجب أن يكون جزءًا من حياتنا على الدوام.
إن شهر رمضان هو دعوة لتغيير العادات السيئة، وتعزيز الفضائل، فنحن مطالبون بالاستمرار على الطريق نفسه بعد انقضاء الشهر الكريم، لأن الطاعة والعبادة لا تختصان بزمن معين، كما يتحتم علينا أن نحرص على اجتناب الأقوال والأفعال التي نهانا الله عنها، ويذكرنا العلامة الداعية الشيخ أبو الحسن علي الندوي رحمه الله قائلاً: “إن الصيام نوعان: صيام صغير يبدأ من الفجر وينتهي بغروب الشمس، وصيام كبير يبدأ من البلوغ وينتهي بالموت”، فالصيام ليس بامتناع عن الطعام والشراب وحسب، بل هو صيام عن كل ما يجر غضب الله وسخطه، إن ما حرم الله في رمضان يجب أن يبقى محرمًا بعد رمضان، فلا يكون الشهر الكريم إلا بداية لتغيير حقيقي في حياتنا.
المحور الثاني: طلبة العلم ومسؤولياتهم تجاه المجتمع:
وأما المحور الثاني، فيتعلق بطلبة العلم الذين بدأوا عامهم الدراسي الجديد، إن العلم هو السلاح الأقوى في يد الإنسان، ومن خلاله يستطيع المسلم أن ينهل من منهل الحكمة والمعرفة التي تضيء له طريقه وتجعله قادرًا على الإسهام في بناء مجتمعه وأمته، إن المدارس والجامعات والمعاهد هي الحصون التي تحصن الأمة الإسلامية، وهي المؤسسات التي تُغذّي شجرة الإسلام وترويها بالمعرفة والنور.
وعلى طلبة العلم أن يتحلوا بأعلى درجات الإخلاص في نياتهم، لأن العلم الذي يطلبه المسلم لا يكون إلا لوجه الله سبحانه وتعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تعلم علمًا مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة”، فالنية الطيبة هي مفتاح البركة في العلم، وإذا كانت النية صادقة، فإن الله تعالى يفتح أبواب الفهم ويمنح التوفيق.
وعلى الطلاب أيضًا أن يحرصوا على استثمار وقتهم في العلم النافع، وألا يضيعوا وقتهم في أمور تافهة لا تفيدهم في دينهم أو دنياهم، إذ ينبغي لهم أن يتذكروا دائمًا أن العلم هو هبة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، ويجب أن يشكروه عليها بصدق، قال الله عز وجل: “لئن شكرتم لأزيدنكم”، فالشكر على العلم يزيده ويجعل فيه البركة.
ويجب على الطلاب أن يتجنبوا صحبة السوء التي قد تضر بعقولهم وتُضعف هممهم، فإن الجليس الصالح هو الذي يرفع من معنوياتهم، ويوجههم إلى الطريق الصحيح، أما الجليس السيء فإنه سم قاتل في طريق العلم، ومن ثم يليق بشأن الطلاب الجادين أن يختاروا رفقاءهم بعناية، وأن يحرصوا على الاستفادة من علمهم في النهوض بأمتهم ومجتمعهم.
في الختام، فيظل شهر رمضان الكريم منبعًا للطاعات التي يجب أن نواصلها طول العام، كما أن العلم هو وسيلة لبناء أمة قادرة على مواجهة التحديات، فلنعمل جميعًا جاهدين على أن نكون في خدمة ديننا وأمتنا، سواء في رمضان أو بعده، سواء في ميادين العلم أو في مجال العمل الصالح.