صنائع فاق صانعها ففاقت
8 أبريل, 2025نبوة صادقة تتحقق اليوم
22 مايو, 2025أفضلية الإنسان بأمانة الدين
سعيد الأعظمي الندوي
لولا أن الله سبحانه وتعالى أكرم الإنسان بأفضلية الخلق في هذا الكون، لما فوضه أمانة الخلافة التي صرح بها في كتابه العظيم الذي تضمن الحوار حول سجود الملائكة لآدم عليه السلام، وبالمناسبة نستطيع أن نذكر ما قاله الله تعالى للملائكة يومذاك: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” [البقرة:30].
ولعل في هذا الرد الحكيم من الله تعالى على الملائكة إشارة إلى أهمية الإنسان في هذا الكون وقيامه فيه بتنفيذ شريعة الله تعالى التي تشمل الكائنات كلها، ويتولاها الإنسان الأمين الذي يحمل مسئولية الخلافة وأمانة الدعوة إلى الله تعالى، وهي ميزة الأمة الأخيرة التي أخرجها الله سبحانه وتعالى كخير أمة وجعلها أمة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم فقال “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” [آل عمران:110].
ومن ثم بلغ الله تعالى بهذه الأمة الدائمة إلى يوم الدين والقائمة على عهدتها إلى أن ينتهي هذا العالم يوم القيامة، فكانت جديرة بالخضوع أمام تلك الأمانة التي عرضها الله سبحانه على أقوى الكائنات في هذا الكون، وهي السماوات والأرض والجبال فكان من خشيتها أنها أبت أن تقدر على حمل هذه الأمانة العظيمة وتؤدي حقها، إلا أن الإنسان الذي شرفه الله سبحانه بخلافة الأرض رضي بقبولها وأداء حقها بمشيئة الله تعالى، وذلك ما قاله الله تعالى في سورة الأحزاب حيث أمر المؤمنين من عباده بالتقوى والصدق مع السداد في القول، الأمر الذي يؤدي إلى صلاح العمل والمغفرة من الذنوب، ويمهد الطريق نحو الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ثم الفوز العظيم الذي لا يدركه المرء بدون الإيمان والعمل الصالح في الدنيا والآخرة على السواء: ” إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً” [الآية:62].
هذه هي الأمانة التي حملها الإنسان وجعلها ميزان عدل يوزن عليه كل عمل، صغيراً كان أو كبيراً، ولا يمكنه في أي حال أن يمارس مسئوليته من غير أن ترافقه الأمانة في كل حين وآن، ولدى كل نشاط وعمل، فإذا كان هناك من يراعيها في جميع الأحوال والظروف ومع كل شخص وجانب فلا ريب أنه كسب سمعة الأمين في الدنيا وسعادة الجنة والنعيم في الآخرة، أما من ضيع أمانة الله تعالى أو خانها فخسارته فادحة في هذا العالم، ويشتهر أمره بالخيانة وإضاعة الحقوق، وأكل أموال الناس بالباطل، وينطبق عليه قول الله تعالى: “خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” [الحج:11].
ومما يجب أن لا نغفل في أي حال أن التساهل في أداء المسئولية والتكاسل في الوظيفة المنوطة بالمرء، ليس إلا نوعاً من خيانة النفس والمال، ولعل ثقل الأمانة قد لا يشعر به المرء، أو يشعر ولكنه يرجح المصالح الموقتة أو يراعي الظروف الطارئة فيرضى بنوع من الخيانة، فكل ذلك مما يعارض روح الأمانة الطاهرة الزكية التي يتميز بها الإنسان وقد يجرح كذلك مكانة الخلافة في الأرض، التي كرم الله سبحانه وشرف بها الإنسان رغم إنكار الملائكة وتأكيدهم بعبادة الله تعالى وتقديسه بصفة دائمة.
ومعلوم أن هذه الأمانة بذرة من الإيمان واليقين غرسها الله سبحانه في قلوب بني آدم، وبذلك وحده تنال شجرة الإيمان نمواً وحياة في كل زمان ومكان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا إيمان لمن لا أمانة له) وفي حديث آخر روي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وفيه: (إن الأمانة نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن) ويعني ذلك أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم شملا تفاصيل هذه الأمانة والشرائع والأحكام التي لا عيش بدونها للمؤمن الأمين في هذه الدنيا ولا خير له في شيء من غير الشعور بثقل الأمانة التي خُصّ بها الإنسان، وقد أثنى الله تعالى على الذين يراعونها فقال:” وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ” [المعارج: 32].