مقال وجيز حول الصحابة (الحلقة الأولى)

الفرق بين المؤمنين والمسلمين
18 مايو, 2024
مقال وجيز حول الصحابة (الحلقة الثانية والأخيرة)
6 يونيو, 2024

مقال وجيز حول الصحابة (الحلقة الأولى)

أعدّه: د. أبو سحبان روح القدس الندوي

[تعريفهم، وطبقاتهم، وعدالتهم، ومنزلتهم، وموقف أهل السنة والجماعة من مشاجراتهم، وأشهر المؤلفات في تراجمهم]

  • تعريف الصحابي:

قال البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه (7: 3 مع فتح الباري):

“من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه”.

وأضاف إليه الحافظ ابن حجر في “الإصابة” (1: 4) قائلاً:

“أصح ما وقفتُ عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإسلام”.

وقال: “فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، وهو من غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، وهو رأي الجمهور”.

  • طبقات الصحابة:

جعلهم الحاكم أبو عبد الله النيسابوري (ت 405هـ) اثني عشر طبقة وهي:

  1. قوم تقدم إسلامهم بمكة كالخلفاء الأربعة.
  2. الصحابة الذين أسلموا قبل تشاور أهل مكة في دار الندوة.
  3. مهاجرة الحبشة.
  4. أصحاب العقبة الأولى.
  5. أصحاب العقبة الثانية، وأكثرهم من الأنصار.
  6. أول المهاجرين الذين وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقباء قبل أن يدخل المدينة.
  7. أهل بدر.
  8. الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
  9. أهل بيعة الرضوان في الحديبية.
  10. من هاجر بين الحديبية وفتح مكة كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
  11. مسلمة الفتح الذين أسلموا في فتح مكة.
  12. صبيان وأطفال رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرهما.
  • أفضلهم:

على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم تمام العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان، رضي الله عنهم أجمعين.

  • عددهم:

على قول أبي زرعة الرازي (ت 264هـ) مائة ألف وأربعة عشرة ألفًا.

  • آخر من مات منهم على الإطلاق:

هو أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي المتوفى بمكة سنة مائة من الهجرة كما صرّح به الإمام مسلم في صحيحه (4: 1820 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي).

قال مسلم بن الحجّاج: “مات أبو الطفيل سنة مائة، وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

وأورد ابن كثير ترجمته في “البداية والنهاية” (9: 190) فيمن توفي سنة مائة من الهجرة النبوية من الأعيان، وكذا ابن حجر في القسم الأول من حرف الطاء المهملة من “الإصابة” (ترجمة: 670).

لا جرم أن بوفاة أبي الطفيل انقرض عصر الصحابة المبارك، ويُطلق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري – رحمه الله تعالى – من حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه مرفوعًا في فضائل الصحابة من صحيحه: 3650) ما نصُّه: “خير أمتي قرني….”.

  • أكثرهم رواية:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وهم:

أبو هريرة روى (5374) حديثًا، ثم ابن عمر (2630) ثم أنس (2286) ثم عائشة (2210) ثم ابن عباس (1660) ثم جابر (1540) ثم أبو سعيد (1170) حديثًا.

وقد ألف ابن حزم (ت 456هـ) في عدد مرويات الصحابة كتابًا سمّاه: “أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد” طبع باعتناء الشيخ أبي سلمة شفيع أحمد البهاري (ت 1985م) وترجمته إلى الأردية، كما أكثر الخزرجي (ت بعد 923هـ) في “خلاصة تذهيب تهذيب الكمال” من ذكر عدد ما رواه الراوي من الأحاديث، ومما اتفق عليه الشيخان، وما انفرد به البخاري وما انفرد به مسلم.

  • عدالتهم:

وإن للصحبة شرفًا يمنح صاحبها ميزة خاصة وهي: أن جميع الصحابة عند من يعتدّ به من أهل السنة عدول، سواء من لابس منهم الفتنة ومن لم يلابس، وهو قول الجمهور.

وخالفهم المعتزلة فقالوا: إن كل من قاتل عليّا عالمًا فهو فاسق مردود الرواية والشهادة لخروجهم على الإمام الحق” (المختصر الوجيز في علوم الحديث ص: 203 للدكتور محمد عجاج الخطيب)

فقد زكّاهم الله تعالى ورسوله وأجمعت الأمة على ذلك:

قال تعالى في سورة التوبة: “وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” [الآية:100].

وما رواه مسلم في صحيحه (2541) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“لا تسبّوا أحدًا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه”.

قلت: النصيف: النصف، فيه أربع لغات: بنصف ونُصف، ونَصف ونصيف. حكاهن القاضي عياض في “المشارق” (2: 15 ن ص ف) عن الخطابي.

وكان ابن عمر يقول فيما ذكره ابن ماجه في المقدمة من سننه (رقم الحديث: 162) وحسّنه الألباني في “صحيح ابن ماجه” (133):

“لا تسبّوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره”.

وقد روى الخطيب في كتابه.. الكفاية في علم الرواية (ص: 49) بإسناد حسن عن أبي زرعة الرازي قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة”.

يعني أن القدح في الناقل قدح في المنقول، لأن من قدح في الصحابة قدح في الكتاب والسنة، لأن الكتاب والسنة إنما عُرفا عن طريق الصحابة، فمن قدح فيهم فإنه يقدح في منقولهم الذي هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

  • منزلة الصحابة وفضلهم:

وذلك أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم حصل لهم شرف لم يحصل لغيرهم لأنهم حصل لهم في الدنيا أمر لم يحصل لأحد سواهم، وهو أنهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبوه وجاهدوا معه ودافعوا عنه، وتلقّوا الكتاب والسنة عنه وبلّغوهما للناس وهم الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الناس فظفروا بغنيمة عظيمة وربح عظيم ومكسب جليل، ألا وهو التشرف بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فسمعوا حديثهم بآذانهم ورأوا شخصة بأبصارهم فظفروا بشيء ما ظفر به غيرهم.

والناسُ ما عرفوا كتابًا وسنة إلا عن طريق الصحابة، فمن يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة. (وللمقال صلة في عدد لاحق إن شاء الله).

×