مقال وجيز حول الصحابة (الحلقة الأولى)
18 مايو, 2024الشعوب تنسى كما ينسى الطفل!
6 يونيو, 2024مقال وجيز حول الصحابة (الحلقة الثانية والأخيرة)
أعدّه: د. أبو سحبان روح القدس الندوي
[وقد تحدثتُ فيما مضى من العدد السابق عن: تعريف الصحابي، وطبقات الصحابة، وأفضلهم، وعددهم وآخر من مات منهم على الإطلاق، وأكثرهم رواية، وعدالتهم ومنزلتهم وفضلهم.
أما في هذا العدد فهو كالآتي: موقف أهل السنة والجماعة من مشاجراتهم، وأشهر المؤلفات في تراجمهم]
- موقف أهل السنة والجماعة من مشاجرات الصحابة رضي الله عنهم:
أخرج ابن ماجه في المقدمة من سننه (رقم الحديث: 121) رواية سعد بن أبي وقّاص قال: قدم معاوية في بعض حجّاته، فدخل عليه سعدٌ، فذكروا عليًّا، فنال منه، فغضب سعد وقال:
تقول هذا لرجل سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من كنت مولاه فعليٌّ مولاه”(1).
كان معاوية رضي الله عنه في الشام وقدم إلى الحجاز في المدينة ومكة، فذُكر عليٌّ رضي الله عنه، فنال منه، وهذا النيل يُحمل على أنه لس على شب وشتم، وإنما تخطئة في بعض الآراء والوجهات، مما يكون فيه الاختلاف بين الناس.
أما أن يشتمه ويسبّه ويتكلم فيه بكلام قبيح، فهذا لا يُحمل عليه اللفظ، لأن كلمة (نال منه) معناها واسع، فقد يكون النيل بسبب تخطئة في رأي أو قول، وقد يكون النيل بسب وشتم.
ويُحمل ما جاء عن معاوية رضي الله عنه في هذا على هذا المحمل وهو كونه على سبيل التخطئة فيما يكون في اختلاف الرأي.
ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في أمور، ومعلوم أن من كان منهم مجتهدًا مصيبًا فله أجران، ومن كان مجتهدًا مخطئًا فله أجر واحد، وخطؤه مغفور، وكلهم بمشيئة الله وفضله على سرر متقابلين، قد نُزع ما كان في نفوسهم في الدنيا من الوحشة والغل، فكانوا في الجنة على خير.
فالواجب هو إحسان الظن بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكرهم بالجميل اللائق بهم، وعدم الوقوع في أحد منهم، بل الكل يجب أن تكون القلوب سليمة في حقهم، ويحمل ما جرى بينهم على أحسن المحامل، وعلى أحسن الوجوه، وعلى أحسن الظنون، وأن هذا لا يكون في الأمور الدينية، وإنما هذا فيما يقع بينهم من اختلاف في وجهات النظر في أمور تتعلق بهم، لكن لا يحمل على عداوة وبغضاء.
كما هو معلوم هم ليسوا معصومين، فيعتذر للجميع ويترضّى عن الجميع، فما جاء عن الصحابة يحمل على هذه المحامل، ولا يشنع على أحد منهم ولا يُعاب أحد منهم، وإنما يحب الجميع، وكلٌّ ينزّل المنزلة التي يستحقها وفقًا للنصوص والفضائل التي جاءت، لكن كلهم على خير وكلهم كما قال الله تعالى: “لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى” [الحديد: 10].
فيعرف الفضل للجميع، ولا يغلو الإنسان في شخص ويجفو في آخر، كما قال الطحاوي رحمه الله تعالى في عقيدة أهل السنة والجماعة: “ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حبّ أحد منهم”.
ثم قال: “ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير”.
ثم قال: “وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان”.
هذا كلام أهل السنة والجماعة المعتدل المتوسط في أصحاب الرسول.
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في “العقيدة الواسطية”: “ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
فيجب أن تكون القلوب سليمة، ليس فيها غِلٌّ ولا بغض ولا حقد، والألسنة سليمة لا يجري عليها ذم وعيب وشتم.
هذه الإفادات القيمة زوّد بها محدِّث المدينة المعاصر العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله تعالى في كتابه “شرح كتاب السنة من سنن الإمام ابن ماجه” (ص: 563–566، ط: دار الإمام البخاري، الدوحة، قطر، عام 1438هـ) مع تلخيص يسير، وأنهى فضيلته هذا المبحث قائلاً:
“وقد جمع الله عز وجل بين سلامة القلوب وسلامة الألسنة، في ذكر الطبقة الثالثة من الطبقات الثلاث التي ذكرها الله عز وجل في سورة الحشر.
فالأولى: المهاجرون، والثانية: الأنصار، والثالثة: الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار “يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ” [الآية: 10].
وهذا يدل على سلامة الألسنة، فالذي يدعو ويستغفر لسانه سليم، ثم ذكر سلامة القلوب وسؤال الله أن يبقيها سليمة، فقال “وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا” [الآية: 10] فقلوبهم سليمة وألسنتهم سليمة، ويسألون الله عز وجل أن تبقى سليمة.
فيُحمل ما جاء على أنه نيل خفيف، وليس نيلاً شديدًا كالسبِّ والشتم”. انتهى كلام الشيخ.
- نبذة من المؤلفات في تراجم الصحابة قديمًا:
وقد اعتنى بالتأليف في تراجم الصحابة الإمام البخاري رحمه الله تعالى، فألّف “تاريخ الصحابة”، وألّف أبو القاسم البغوي، وابن السكن باسم: “معجم الصحابة”، وابن حبان باسم: “أسماء الصحابة”، وابن منده، وأبو نُعيم ألّفا: “معرفة الصحابة”، والطبراني له كتابان: “معرفة الصحابة” و”فوائد معرفة الصحابة”.
- أشهر المؤلفات في تراجمهم قديمًا وحديثًا:
- الاستيعاب في أسماء الأصحاب: لابن عبد البر القرطبي.
- أسد الغابة في معرفة الصحابة: لابن الأثير الجزري.
- الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلاني.
- تجريد أسماء الصحابة: للذهبي.
كما اعتنى بذكرهم خليفة بن خياط، وابن سعد في طبقاتهما، ويعقوب بن أبي شيبة في مسنده الكبير المعلّل، وأبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه الكبير.
كما نجد تراجمهم في كتب التاريخ والتراجم كالبداية والنهاية لابن كثير الدمشقي، وسير أعلام النبلاء للذهبي.
ونجد فضائل الصحابة في الصحيحين، وكتاب المناقب من جامع الترمذي، والمقدمة من سنن ابن ماجه.
أما “فضائل الصحابة” للإمام أحمد فهو مطبوع مخدوم في مجلدين، حصل عليه الدكتور وصي الله عباس شهادة الدكتوراه من جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
وللخطيب البغدادي كتاب معروف باسم “شرف أصحاب الحديث”، مطبوع محقّق.
وألف الشيخ يوسف الكاندهلوي: “حياة الصحابة” وهو متناول اليد.
وللدكتور عبد الرحمن رأفت باشا: “صور من حياة الصحابة” في أسلوب أدبي رائع.
وألف تلامذة العلامة شبلي النعماني بالأردية سلسلة “سير الصحابة” في سبعة أجزاء ونشرتها دار المصنفين بأعظم جراه، وهي مقبولة ومتداولة.
اللهم ارزقنا حبّ الصحابة جميعًا واحفظ ألسنتنا وأقلامنا من النيل منهم ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ لأحد منهم.
الهامش:
(1) أما حديث “من كنت مولاه إلخ” فأخرجه الترمذي في المناقب: باب مناقب علي: رقم الحديث: 3713، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وزاد الطبراني في “المعجم الأوسط” (1989): “اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، فقام اثنا عشر رجلاً، فشهدوا بذلك”.
قلت: هذا اللفظ كثير المعاني، يجب تفسيره ههنا بما يخلو من الغلو في حب عليّ، وأوفق المعاني بالسياق: المحب أو السيِّد، أو ما يشبههما.
وأخرجه الطبراني في “الأوسط”: 2130، وفي “الكبير” 4969، والبزّار: 2538، والحاكم 3: 109، والنسائي في “الخصائص”: 79.
قلت: والحديث كثير الطرق جدًا، قد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، أفاد به ابن حجر في “فتح الباري” 7: 74.
ويُراجع ابن حبان 15: 377.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
راجع الألباني: سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 330، وصحيح الجامع الصغير: 6399، وتعليقه على “المشكاة” 3: 1073.