بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان!

ولكن لا على حساب السلوك الإنساني!
12 يناير, 2023
سرّ هذه الآية إلى يوم الدين!
5 مارس, 2023

بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان!

سعيد الأعظمي الندوي

لولا وجود الإنسان في هذه الأرض لكان العالم الأرضي مركزًا للبهائم وأنواع من الحيوان، ولم يكن هناك إنسان يستعمل الكائن الأرضي لتحقيق الأغراض العالية التي خلق لتحقيق ذلك الغرض السامي الذي لا ينجزه إلا الإنسان، وما هو إلا معرفة خالق الأرض والسماء والجو والجبال المرتفعة والغابات والبحار الواسعة، ولا يتحقق لهذا العالم الأرضي أن يتوافر فيه الإنسان الذي يستعمل أفكاره وأعماله لبناء أرضية صالحة لترسيخ آيات القدرة الإلهية في المجتمع البشري، ويشرح معنى الإيمان والعمل الصالح، يقول الله تعالى: “إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيرًا” [الإنسان:1-4].

كان الله سبحانه قد بيّن إن هذا الإنسان الذي لم يُخلق إلا لكي يشرح معناه، ذلك أنه خلق متميز في الكائنات، أكرمه الله سبحانه بالسمع والبصر والعقل والتمييز بين ما يساعده في معرفة هذه الكائنات بالعلم والعقل،وبالإيمان والعقيدة، ثم العمل الصالح الذي يرفع مكانته، ويجعله نموذجًا عمليًا للآخرين، أما أن يكون من المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان،ولا يعرف غير عبادة النفس والشيطان فهو أحط منزلة من البهائم التي لا تحارب البهيمية ولا تتدبر بتذليل البهائم من نوعها، بل إنه يعيش على الفطرة البهيمية ولا يتصارع فيما بينها للحصول على أعلى درجة من البهائم والوحوش ذلك لأنه لا يقتنع بما منحه الله تعالى من مكانة في هذه الدنيا الواسعة ويعيش على أساسه، في ضوء طبيعته التي خلق عليها.

أما الإنسان وإن كان أكرم خلق في الكون وكان قد تميز بما لم يجده أي خلق آخر، فإنه حالما يتغير ويحارب الطبيعة ويخسر مكانته فيكون أرذل كائن حي في هذه البسيطة ويخسر مكانته العالية فيكون مثاله كمثل دابة يتشكل بشكل الإنسان ولكنه في الواقع الملموس لا يكون إنسانًا إلا بالشكل الظاهر والصورة المرئية التي تشابه صورة الإنسان، دون أن يكون قد ينال نعمة الإنسانية التي أكرمه الله بها عباده المؤمنين، ويكون مبعث سبة وفساد في المجتمع البشري.

نقرأ سورة اللهب المكية: “تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ” [الآيات:1-5].

فلنتأمل قليلاً في الواقع الرباني الذي لحق أبا لهب حيث ذهب كل شيء مما كسبه سُدىً، ولم يتيسر له شيء حتى أن ينجى امرأته من سوء العذاب.

من هنا يدعو الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين إلى أن لا يظنوا أن المال والغنى سينجي الإنسان من ظروف غير مرضية إلى إنجاز ما أمر الله تعالى في المال والأولاد، ولا شك أن الخلق السليم يميز الإنسان عن غيره من الخلائق، إن الإنسان المسلم حريص على كسب كل شيء من خلال الإرشاد الرباني، ثم هو يضع ما كسبه في الحصول على الطمأنينة في الدنيا والدخول في جنات ونعيم في الآخرة.

“إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ ” [الحجرات:15-17] وصدق الله العظيم.

×