فضائل القدس والشام
28 نوفمبر, 2023ليس منا من فعل ذلك
17 يناير, 2024العلم النبوي حياة القلوب
عبد الرشيد الندوي
عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به مِنَ الهُدى والعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصابَ أرْضًا، فَكانَ مِنْها نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ الماءَ، فأنْبَتَتِ الكَلَأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ، وكانَتْ مِنْها أجادِبُ، أمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بها النّاسَ، فَشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا، وأَصابَتْ مِنْها طائِفَةً أُخْرى، إنَّما هي قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذلكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ في دِينِ اللَّهِ، ونَفَعَهُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومَثَلُ مَن لَمْ يَرْفَعْ بذلكَ رَأْسًا، ولَمْ يَقْبَلْ هُدى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ بهِ.
تخريج الحديث: أخرجه البخاري كتاب العلم باب فضل من علم وعلم برقم 79 ومسلم في الفضائل باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم برقم 2282.
شرح الحديث: لقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العلم والهدى الذي جاءنا به في صورة الكتاب والسنة بالغيث وهو المطر الذي ياتي عند ما تشتد حاجة الارض اليه وكان هناك جدب وقحط شديد فياتي المطر الغزير ويسقي الأرض حتى ربت واخضرت وأنبتت من كل زوج بهيج.كذلك العلم فانه يحيي القلوب من مواتها، ويقويها من ضعفها ويشفيها من سقامها ويحليها بأنواع من الأخلاق الطيبة والشيم المرضية.
و كما أن المطر النازل من السماء عام شامل ولكن طوائف الأرض قد تنوعت بالنسبة إلى الاستفادة والانتفاع منه او الحرمان والشقاء كذلك القلوب والنفوس تختلف في الانتفاع بهذه العلوم والمعارف والآداب النبوية. وفي الحديث دليل على أن بعض العلماء أفقه من بعض، ورب مبلغ أوعى من سامع، وأن الفقهاء من أصحاب المعاني قد يستنبطون من النصوص الشرعية حكما وأحكاما ولطائنف ونكتا غالية مما ينتفع به الخلائق، وإن ذلك لا يغض من المحدثين الذين حملوا على عواتقهم مهمة الحفاظ على النصوص وصيانتها من الضياع او التحريف والتبديل وكل مأجور وكل ميسر لما خلق له.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث:
إحداها: أرضٌ زكيَّةٌ قابلةٌ للشُّرب والنبات؛ فإذا أصابها الغيثُ ارتَوَتْ منه، ثمّ أنبتتْ من كل زوجٍ بهيجٍ، فهذا مثل القلب الزَّكي الذَّكي؛ فهو يقبل العلم بذكائه، ويُثْمِرُ فيه وجوهَ الحكم ودين الحق بزكائه؛ فهو قابلٌ للعلم، مُثْمِرٌ لموجبِه وفقهِه وأسرارِ معادنِه.
والثانية: أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه ينتفع الناس بورودها والسَّقْي منها والازدراع، وهذا مَثَلُ القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تَصَرُّفَ له فيه ولا استنباطَ، بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “فَرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وَرُبَّ حامل فقه غيرُ فقيه.
والأرض الثالثة أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يُمسك ماءً، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تَنْتَفِعْ بشيء منه، فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه، وإنما هو بمنزلة الأرض البَوَارِ التي لا تُنْبِتُ ولا تَحفظ الماءَ. انتهى بحذف قليل من الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه – ط عطاءات العلم (1/ 64)