ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

وغرس طاب غارسه فطابا
3 سبتمبر, 2023
أمة العطاء والسعادة
31 أكتوبر, 2023

ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

سعيد الأعظمي الندوي

إن الإنسان مدني بطبيعته وفطرته، وهو مخلوق اجتماعي، لا يمكنه أن يعيش منفردًا، ومنعزلا عن الناس فجميع حاجياته من التعليم والدراسة والطعام والشراب وملذات الدنيا تتعلق بالآخرين، وهو يتعلم ويستفيد منهم ويفيدهم، وإذا اجتمعت للإنسان في هذه الحياة الدنيا جميع وسائل الدنيا: من الصحة والمال والعلم، ولكن ليس له جلساء وأصحاب مخلصون أو ليست له صلة روحية وعلاقة معنوية بالعلماء الربانيين كانت حياته منغصة، وكان عيشه مكدرًا. ومعلوم أن أهل الجنة حينما يكونون في الجنة، ويتمتعون هناك بكثير من آلاء الله، فتتوافر له جميع الملذات والنعم، ويوفر الله للمطيعين والمنقيادين صحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، قال تعالى: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبيين والصديقين والشهداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رفيقاً” (النساء: 69).

صحبة الصالحين من دين الإسلام وصحبة الصالحين من علامات المتقين، وقد مدح الله في القرآن الكريم الذين يصاحبون المتقين، قال تعالى: ” الأخلاء يومين بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدو إلا المُتَّقِينَ (الأعراف: 67)، كما أمر الله تعالى المؤمنين بصحبة الصالحين، قال تعالى: يا أيها الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة: 119) ويتحسر الإنسان يوم القيامة علي صحبة الأشرار والظالمين، قال تعالي: ويوم يعض الظالم عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يا ويكنى لَيْتَنِي لَمْ اتَّخذ فلانا خليلا، لَقَدْ أَصَانِي عَنِ الذَّكَرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَدُولاً (الفرقان: 27 (29)، وقد تقرير وثبت من القرآن الكريم أن كلب أصحاب الكهف قد نال الذكر الجميل بصحبة الصالحين، قال تعالى: وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد، فما ظنك يا ثري بالمؤمنين الذين يصاحبون الصالحين ويرافقونهم ويجالسونهم. وقال تعالى في الحديث القدسي: وجبت محبتي للمتزاورين في والمتجالسين في، والمتحابين في والمتبادلين في (مسند الإمام أحمد: 22030). وإن تأملا قليلا في دعاء موسي عليه السلام في سورة طه يكشف لنا أهمية ومكانة صحبة الصالحين: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عقدة مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أخي اشدُدْ بِهِ أَزْري وأشركة في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيراً. فالجمل الأخيرة: ” واجعل لي وزيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخي اشدُدْ بهِ أَزْرِي ” دليل علي اختيار الجلساء الأخيار، وصحبة الأبرار، ثم ذكر السبب لهذه الصحبة هو: كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا. وهو العون علي التسبيح والذكر والعبادة الله تعالى.

بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم معلما ومزكيا، وكان يعلم الناس مكارم الأخلاق، وكان يزكيهم من سفاسف الأمور ومحاقرها، وقد اختار الله أصحابه لصحبة نبيه ونصرة دينه، فلقب الصحابة بلقب الصحابة، رغم أنهم مفسرون ومحدثون وفقهاء ودعاة ومجاهدون وغزاة فاتحون وإداريون وغيرهم، لكنهم اشتهروا بالصحابة الكرام البررة، إن نظرة واحدة للنبي صلى الله عليه وسلم غيرت حياتهم، كل ذلك بصحبة النبي صلي الله عليه وسلم، حتي أحب الله اخلاصهم وإيمانهم وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: واصير نفسِكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ربهم بالغَدَاةِ وَالعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكرنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أمره فرطا (الكهف: 28). إن الله سبحانه وتعالى اذا أراد برجل خيرا وفقه المعاشرة أهل السنة وأهل الصلاح والتقوي، فالصالحون هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، والصالحون الذين غلبت حسناتهم علي سيئاتهم، والصالحون الذين ذكرنا بالله رؤيتهم، وزادنا في العلم منطقهم، ووذكرنا بالآخرة عملهم، فقراءة حكايات الصالحين وقصصهم جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده، وقد وصل الامام الغزالي في رحلته الروحانية إلى هذه النتيجة: فان جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة علي وجه الأرض نور يستضاء به ومصداق ذلك قول الله تعالى: ” وَكَما نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا تُثبتُ بهِ فَؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذَكَرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (هود: 120)

أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بصحبة المؤمنين قائلا: لا تصاحب الا مؤمنا، ولا يأكل طعامك الا تقي وروي عن بعض السلف: لن يبق من روح الدنيا إلا ثلاث لقاء الإخوان والتهجد بالقرآن وبيت خال يذكر الله فيه، وقد روي الشيخان عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك اما أن يحذيك واما أن تبتاع منه واما أن تجد منه ريحا طيبة، وونافخ الكيراما أن يحرق ثيابك واما أن تجد منه ريحا خبيثة.

×