في ظل: “الأم العلمية” مرة أخرى (2)
29 سبتمبر, 2021ليس الجمال وحده ما يزيننا
5 أكتوبر, 2021في ظل: “الأم العلمية” مرة أخرى (3/الأخيرة)
محمد نعمان الدين الندوي
نحمد الله سبحانه أننا أدركنا خير عصور الندوة، أو قل: “عصرها الذهبي”..العصر الأكثر بركة وخيرا ونهضة وازدهارا… يوم كانت الندوة تحظى بوجود مفخرة الزمان، إمام العرب والعجم، العالم الرباني، الشيخ الجليل العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله، الذي كان- ولا يزال- ملء السمع والبصر والقلب والزمان والتاريخ، والذي كان من أولئك القلائل، الذي لا يملك الدهر أن يمحو لهم من صفحة الخلود من ذكر وأثر، ذلك الرجل الذي بلغ بالندوة إلى ذروة صيتها وعظمتها، إلى المكانة المغبوطة المحسودة، التي يتجمل بها لا تاريخ الندوة فحسب، بل تاريخ المدارس والجامعات في الهند.
ويوم كانت الندوة تعتز بأساتذتها النوابغ، ومدرسيها الفطاحل، ومعلميها الأفاضل، فكان عندها من أنجح المدرسين وخيرة المدرسين وصفوة العلماء ما جعلها مغبوطة لدى المدارس الأخرى.
فكان من أساتذتنا الشيخ محمد الرابع الحسني، والشيخ واضح رشيد الحسني رحمه الله تعالى، والشيخ سعيد الأعظمي، والشيخ محمد برهان الدين السنبهلي رحمه الله تعالى، والشيخ ضياء الحسن الندوي رحمه الله تعالى، والشيخ عبد الستار الأعظمي رحمه الله تعالى، والشيخ أبو العرفان الندوي رحمه الله تعالى، والشيخ شهباز الإصلاحي رحمه الله تعالى، والشيخ حبيب الرحمن السلطانبوري رحمه الله تعالى، وغيرهم من أشهر المدرسين، ممن يندر وجود أمثالهم – في وقت واحد- في مدرسة وجامعة.
إن هؤلاء الأساتذة النوابغ، يرجع الفضل في استقطابهم إلى الندوة، إلى الإمام أبي الحسن الندوي رحمه الله، الذى كان همه الأول والأعظم العثور على أصحاب أفضل المواهب وأحسن الكفاءات من المدرسين، ليزين ويقوي بهم الطاقم التدريسي في الندوة، فالمدرسون الأكفاء – في الحقيقة- هم العمود الفقري لأي مدرسة وجامعة، وهم العمدة في ارتفاع مستوى التعليم.
واسمحوا لي هنا بأن أن أتمثل ببيت شهير (بتعديل بسيط):
أولئك أساتذتي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
نعم. كان من فضل الله علينا أنه أتاح لنا الفرصة للتتلمذ على أمثال هؤلاء الأساتذة العظام، الذين كانوا أئمة في مختلف العلوم والفنون، وكانوا حجة في تخصصاتهم، يستند إلى آرائهم، ويحتج بأقوالهم، ويتمثل باستنتاجهم وأفكارهم، فاستقينا من خضم علمهم، وغرفنا من بحر معارفهم، ونهلنا من معين كفاءاتهم وقدراتهم ما شاء الله أن ننهل..
فكلهم من رسول الله ملتمس
غرفا من البحر أو رشفا من الديم
والجدير بالذكر أن فترتي الدراسية في ندوة العلماء، من 1971 إلى 1981م (تلك عشرة كاملة).
هذه هي: “أمي العلمية: ندوة العلماء” التي يرجع إليها الفضل الأكبر – بعد الله- في كل ما حظيت به من النجاحات والمكاسب.
وهذه هي: “أمي العلمية: ندوة العلماء” التي احتضنتني وربتني… وأدبتني وعلمتني..
احتضنتني بعطفها وحنانها، وربتني تربية إسلامية، وأدبتني بآداب الإسلام، كنت جئت إليها فجا لا أفك حرفا، ولا أخط قرطاسا، ولا أقرأ سطرا، فعلمتني… علمتني القراءة والكتابة.. وعلمتني علوم الكتاب والسنة، إلى جانب ما علمتني حب لغة الإسلام (العربية)، وقبل ذلك.. غرست في قلبي حب رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، وحب الرعيل الأول من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، الذين تتلمذوا على معلم البشرية ومربي الإنسانية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
هذه هي: “أمي العلمية: ندوة العلماء” التي رعتني في جميع مراحل حياتي، وشدت أزري…
ندوة العلماء هذه..تفضلت وتكرمت…فمدت إلي أحضانها مرة أخرى..و أنا في أمس حاجة إلى عطفها وحنانها أكثر من الماضي..،فقد بلغت من العمر مرحلة يحط فيها الإنسان رحاله، ليقضي ما تبقى من حياته في هدوء وطمأنينة وراحة، فيعيش عيشة مستقرة في ظل عطوف راحم (و من أكثر عطفا ورحمة من: “الأم”) متمتعا بكنف آمن يحيطه برعايته، ويكلأه بعنايته
*****
نعم. إنه من فضل الله علي أنه أتاح لي الفرصة للارتباط بـ: “أمي العلمية: ندوة العلماء” ارتباطا منتظما من خلال العمل في بعض أقسامها العلمية،الأمر الذي أحمد الله وأشكره عليه، وأعده مكرمة ووسام شرف.
فهل هناك شئ أعظم شرفا من خدمة: “الأم”.
أدعو الله سبحانه أن يعينني على القيام بحقوق هذا العمل العلمي.
ومعلوم أن هذه المكرمة التي سعدت بها أخيرا، يرجع الفضل فيها – بعد الله- إلى حضرة صاحب السماحة الشيخ الوالد محمد الرابع الحسني الندوي -أطال الله بقاءه في صحة وعافية – الذي لا استطيع أن أقابل أياديه إلا بالشكر، الذي جعله الله للنعم حارسا، وللحق مؤديا، وللمزيد سببا:
وقد حملتني شكرا طويلا
ثقيلا لا أطيق به حراكا