أعظم معركة في حياة الإنسان

لا شيء مستحيل
20 مايو, 2025

أعظم معركة في حياة الإنسان

محمد خالد الباندوي الندوي

أخي العزيز!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن أعظم معارك الإنسان – أيها الأخ – لا تُخاض في ميادين القتال، بل تدور في أعماق قلبه، بين أحلامه ومخاوفه، بين رغبته في الانطلاق وخوفه من السقوط. فإن غلبت شكوكك يا أخي! بقيت أسير التردد، وإن انتصرت على مخاوفك، صنعت لنفسك طريقًا إلى المجد.

إذ الإنسان – أيها الأخ – لا تحرمه قلة الفرص، وإنما تحرمه كثرة التردد، ولا يعجزه نقص الإمكانيات، بل استسلامه للشكوك. كم من شخص رأى النجاح قريبًا لكنه تراجع عنه لخوف طرأ عليه أو لضعف أصابه، وكم من موهوب أخّرته مخاوفه، وكم من قويّ قيده الوهم فبقي ضعيفًا؟ إن الفرص – يا أخي – لا تضيع، بل تضيع أنت حين لا تقتنصها.

تعال نقدم لك أمثلة من روائع التاريخ الإسلامي حتى يستبين الكلام وينجلي الإبهام:

أنظر إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، لما أُمر بذبح ابنه، لم يتردد، ولم يسأل عن العواقب، بل سلّم أمره لربه، ففداه الله بذبح عظيم، وجعل طاعته درسًا خالدًا في الثقة والثبات.

وانظر إلى موسى عليه السلام، حين رأى البحر أمامه وجنود فرعون خلفه، تزلزل من حوله قومه، لكن يقينه لم يتزحزح، وقال بملء قلبه: “كلا إن معي ربي سيهدين”. فلم يكن النصر في سلاحه، بل في يقينه، فانشق له البحر، ومضى في طريق الخلاص.

وتأمل في مصعب بن عمير، فتى مكة المدلل، ترك كل نعيمها حين عرف الحق، وهاجر يحمل رسالة النور، لا يملك سوى قلب ثابت وإرادة لا تعرف التردد، فصار أول سفير للإسلام في يثرب، وبُورك خطاه حتى قامت بها الدولة الإسلامية.

وانظر إلى خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، الذي انتصر أولاً على تردده، وترك ولاء الجاهلية، واختار طريق النور، فصار قائدًا مهابًا، لا يُهزم في ساحة، لأنه لم يُهزم في داخله.

وتأمل كذلك حال فتيان الكهف، حين ضاق بهم الواقع، وهربوا بدينهم إلى غارٍ في الجبل، لم يثنهم شبابهم ولا قلة حيلتهم، بل غلب يقينهم خوفهم، فخلّد الله قصتهم في كتابه.

فابحث عن ذاتك – يا أخي – وتأمل في قوتك، لا تهرب من عيوبك، بل أصلحها. في داخلك نور، لكنه ينتظر أن تنفض عنه غبار التردد، وأن توقظه من غفوته،و تؤمن بوجوده. كم من إنسان ظن نفسه ضعيفًا حتى جاءته لحظة اختبار فاكتشف أنه أقوى مما كان يظن.

لأن السيطرة على النفس هي تاج النجاح، والتحكم في الأفكار هو مفتاح القوة. ليس العاقل من يملك المعرفة وحدها، بل من يملك زمام نفسه، يوجهها حيث يريد، لا حيث تقوده العادات والأهواء. قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب.

كل حلم ينتظر من يجرؤ على تحقيقه، وكل طريق يبدأ بخطوة، وكل نجاح كان يومًا فكرة تحولت إلى قرار، ثم إلى انطلاقة. فامضِ – يا أخي – في سبيلك، وثق بنفسك، ولا تدع الفرص تفلت منك، فالعالم لا يمنح المجد إلا لمن يستحقه.

×