استعراض لكتاب “رسالة المناسبات الإسلامية” للشيخ محمد الرابع الحسني الندوى
10 سبتمبر, 2023استعراض لكتاب “في ظلال السيرة” للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
10 سبتمبر, 2023دراسة “قيمة الأمة الإسلامية ومنجزاتها” للشيخ محمد الرابع الحسني الندوي
إبراهيم عمر
إن الأمة الإسلامية التي كانت قد حملت مسؤولية عظيمة، لإصلاح الكتلة البشرية، وألقيت على عاتقها عتبة غير يسيرة، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، لكن حين تخلفت هذه الأمة من أداء ما عليها، ونسيت واجباتها فأذاقها الله تعالى شيئا من الذل والهوان، وأصابها ما أصاب من الانحطاط العلمي والخلقي، والنزاع ذات البين وكثير من النقصان، فلهذا قام بعض من العلماء (ومنهم مؤلف هذا الكتاب)وأذكروا الأمة الإسلامية فريضتها الأولية، فقالوا: “على المسلمين أن يخرجوا من هذه الغفلة المردية، ويفكروا في هذه المسؤولية التي نيطت بهم”، وأنا أجد في هذا الكتاب ما يمكن به إيقاظ الشعور الديني والعلمي الخلقي.
فهذا الكتاب يحتوي على سبع مقالات قيمة، منها:
- وسطية الأمة الإسلامية والدلالة القرآن عليها.
- خصائص الأمة الإسلامية ومسؤولياتها.
- مجالات عظمة الأمة الإسلاميه ومميزاتها وخصائصها.
- الصحوة الإسلامية عواملها وأسبابها وبخاصة في شبه القارة الهندية.
- وضعية العلوم الإنسانية في العالم الإسلامي اليوم في الجامعات وتأثيرها على الحياة.
- في سبيل منهج سليم للثقافه الإسلاميه.
- المسلم ومكانته في نظر الدكتور محمد إقبال.
ففي الأول منها ذكر الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي رحمه الله مكانة الأمة الإسلامية بين الأمم الأخرى، وما هي صفاتها ومميزاتها التي تمتاز بها من غيرها، فيقول بكل صراحة ووضوح: “أن الحسن والكمال، والتوسط والاعتدال من أهم صفاتها، فلا يوجد فيها غلو كغلو النصارى ولا تقصير كتقصير اليهود”، ثم أثبته الشيخ بالآيات والأحاديث.
وفي المقالة الثانية عد الشيخ الندوي بعضا من مسؤوليات هذه الأمة فقال: “إن القيام بالدعوة إلى الحق، والرقابة على الأمم والشعوب، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكرات، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، من أكبر عتباتها وواجباتها، لأن عند هذه الأمة دستور كامل لسائر شعب الحياة، وقانون بالغ إلى درجة الكمال، ليس فيه نقص ولا عيب، عندها كتاب الرحمة والسعادة والنجاة لسائر البشر، عندها نظام سياسي واقتصادي يستطيع البشر أن يقيم به العدل والقسط في سائر مجتمعات الحياة، ولديها شريعة سمحة عادلة، توفر الحقوق كلها، وتؤدي أمانتها إلى أهلها، بلا إفراط وتفريط، ثم يشير إلى أن الإسلام هو الحل الوحيد لسائر معضلات العالم وفساداته، فادخلوا في السلم كافة”.
وفي المقاله الثالثه ألقى الشيخ الندوي ضوءًا بشيء من التفصيل على عظمة المجالات التي امتازت بها هذه الأمة، وأتت بما لم يستطع احد قبل، فذكر أولا سوء حال العالم عند ظهور هذه الأمة، وكيف واجهت في بدايتها عراقيل عديدة ومعضلات كثيرة، لكن تجاوزت كل ذلك وغلبت عليها، على رغم ضعفها وقلة عددها وعدتها، ثم ذكر ذلك المنشور الأول الذي أقام المسلمون به المساواة، وأزالوا به ذلة العبوديات، وانفذوا النظام الإسلامي السياسي الذي رفع العرب، وأنزلهم إلى أعلى المنازل، وبعد توسعة الثقافة الإسلامية كيف ترقى المسلمون علما وفنا، حتى بلغ حبهم بالكتب والمكتبات إلى ما أدهش العالم كله، وكيف حصل الغرب لديهم العلوم والفنون فهذا ما كانت يد الإسلام عليهم ما لا ينبغي أن تنسى وتمحى.
وفي المقالة الرابعة أوضح الشيخ الندوي بأن لم يكتب لهذه الامة انحطاط كامل، بل إنها تمتاز عن الأمم الأخرى بتكرر الصحوات بعد طويل الغفوات، فما إن غربت شمسها في قارة، حتى طلعت في قارة أخرى، ولا سقطت حكومتها في بلد قامت في بلد آخر، ولم يخل نطاقها أبدا من المجددين والمصلحين، ثم ضرب لذلك مثلا لشبه القارة الهندية فقال: “في زمن الملك العظيم “اكبر” كانت حياة الإسلام في الهند تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكن قام الإمام أحمد السرهندي رحمه الله تعالى وأبلى بلاء حسنا، وأحيا الإسلام والدين، ثم بعده في زمن الحكومة الإنجليزية قام الشيخ السيد أحمد الشهيد، ونفخ روحا جديدة في جسد المسلمين، وهكذا في القرن العشرين لما أصيب العالم الاسلامي بغزوات فكرية وحملات سياسية، قام في البلدان العديدة رجال مجددون والمصلحون فمنهم من كان في الهند “ظفر على خان، محمد علي جوهر، والعلامة شبلي النعماني، والدكتور محمد إقبال، ومولانا أبو الكلام آزاد، والدكتور أبو الأعلى مودودي، والشيخ أأأبو الحسن الحسني الندوي ورجال آخرون، وهكذا ضرب مثلا لعلماء المصر مثل الشهيد حسن البنا، وسيد قطب، ومصطفى السباعي، والشيخ علي الطنطاوي، والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم كثير، ثم ذكر بعض الحركات التي ظهرت في العالم الإسلامي وغيرت مجرى حياة المسلمين، وأتت بانقلاب عظيم مثل حركة ندوة العلماء، وحركة الخلافة، وحركة الجماعة الاسلامية، وأخيرا حركة الاخوان المسلمين.، هذه هي بعض الحركات الاسلامية التي لعبت دورا بارزا في تنشيط الصحوة الاسلامية في العالم الاسلامي.
وفي المقالة التي بعدها أوضح الشيخ الندوي تراث العلوم الإنسانية، فما هي مسؤولية الحكومة لايصالها إلى الأمم التي ستأتي بعدها فإنها فريضة محكمة عليها، وأمانة لازمة في يدها، ثم ذكر منهج الإسلام في التلقي لهذه العلوم وإبلاغها الى العالم كله، وكيف فتحت الحكومة الإسلامية أبوابها لمن يريد التحصيل، وكيف تلمذت أوروبا على المسلمين، ثم لما أصاب المسلمين الانحطاط والزوال، فأخذت أوربا تتقدم تقدما، حتى وصلت إلى ما وصلت، ثم بين الشيخ الندوي أسباب التخلف للمسلمين في هذه المجالات، وما هي واجبات المسلمين والجماعات الإسلامية وأهلها في العصر الراهن، فيقول: “أكبر مسؤولية في ذلك تقع على جامعاتنا”.
ثم في المقالة السادسة كشف الشيخ الندوي عن منهج سليم يجب على المسلمين اتباعه لتنظيم الثقافة الإسلامية، فبين أن الحكومة والسياسة ليست من مقاصد الاسلام، بل إنها آلة وحاجة لإقامة الدين، فأولا يجب على المسلمين أن ينشروا العلوم الدينية الاسلامية الصالحة ويتخلقوا بالأخلاق الإسلامية السمحة البسيطة مثل المساواة، وصلة الرحم والإيثار والعفو، والأمانة، واجتناب الكبائر، والمؤاخاة وغير ذلك، ثم يجعل هؤلاء المتخلقون مجتمعات صالحة مثالية، ليستنير بها الآخرون، ثم بمشاركة مجتمعات كثيرة تنبت الحضارة الإسلامية المثالية، وبعد اجتياز هذه المرحلة يجب على المسلمين أن يجعلوا حكومة تحفظ هذه الحضارة، وهكذا أظهر الشيخ الندوي النقائص والعيوب التي توجد في الحكومات الراهنة الغربية، التي لا تستطيع أن تصلح البشرية منذ زمن بعيد، فلا سبيل إلى هذا الفلاح إلا باتباع هذا الدين وأحكامه وأخلاقه.
وفي المقالة الأخيرة لهذا الكتاب ذكر الشيخ الندوي نظرية الدكتور محمد اقبال، وكيف كان ينظر إلى هذا الكون؟ والمسلم الذي يحمل رسالة خالدة، وكيف ينبغي لهذا المسلم أن يعيش في هذا الكون؟ وما الفرق بينه وبين غيره من الناس؟ وما هي مكانة المسلم في هذا الكون؟ فيقول الشاعر:
وانت الصقر فادفع محلك
وانزل على قمم الشواهق والصخور.