دراسة كتاب” العالم الإسلامي اليوم: قضايا وحلول” لفضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

مساهمة علماء شبه القارة الهندية في التاريخ للأدب العربي: جهود محمد الرابع الحسني أنموذجًا
10 سبتمبر, 2023
مربي الجيل المعاصر
10 سبتمبر, 2023

دراسة كتاب” العالم الإسلامي اليوم: قضايا وحلول” لفضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي

د/ سبحان عالم خان

أستاذ ومدير قسم العلوم الشرقية بجامعة لكناؤ

يُعدُّ سماحة الشيخ محمد الرابح الحسني الندوي رحمه الله تعالى– من رواد حركة الدعوة الإسلامية وحملة الفكر الإسلامي في العصر المعاصر، ولد عام 1348هـ المصادف عام 1929م، نشأ في بيته؛ بيت العلم والصلاح، ثم انتقل إلى لكهنؤ بعد التعليم الابتدائي، وتتلمذ على خاله العلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، وقرأ عليه كتب الأدب واللغة والعلوم الشرعية، ثم التحق بجامعة ندوة العلماء، وتخرج في عام 1948م، وفي عام 1949م عُيِّن في دار العلوم لندوة العلماء كمدرس مادة اللغة العربية وآدابها، ولازم صحبة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في رحلاته، فسافر معه إلى الحجاز في عام 1950م، وأقام أكثر من سنة قضاها في الدعوة وكسب العلم من مناهل العلم والمعرفة فيه، ثم عاد إلى لكهنؤ وعُيِّن أستاذاً مساعداً للأدب العربي في دار العلوم لندوة العلماء في عام 1952م، وفي عام 1955م عُيِّن رئيس قسم الأدب العربي فيها، وفي عام 1970م اختير عميد كلية اللغة العربية وآدابها بها، وفي عام 1993م عُيِّن مديراً لدار العلوم لندوة العلماء، وفي عام 1998م عين نائب رئيس ندوة العلماء، وعين في 3/ يناير من عام 2000م رئيساً عاماً لها، وفي عام 2003م اختير رئيساً لهيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند، وأصدر في عام 1959م صحيفة “الرائد” وهي صحيفة عربية نصف شهرية، لا تزال تصدر من ندوة العلماء، وشارك في عدد من الندوات والمؤتمرات والملتقيات الأدبية والعلمية على المستوى المحلي والعالمي والدولي، وقدم بحوثاً ومقالات نشرت بعضها في كتيبات وبعضها في المجلات والصحف الوطنية والعالمية، وزار عدداً من بلدان أوروبا وآسيا وإفريقيا، وزار فيها الجامعات والمعاهد، وتقديراً لأعماله في خدمة اللغة العربية منحه رئيس جمهورية الهند الجائزة التقديرية في عام 1982م، ورأس عددا من المؤسسات والجمعيات، وتوفي في 13/ أبريل 2023م، وله مؤلفات بالعربية والأردية، وبعض منها ترجمت إلى الإنجليزية والهندية، منها كتاب “العالم الإسلامي: قضايا وحلول”. نشره المجمع الإسلامي العلمي بلكناؤ، الطبعة الأولى عام 2004م، ويشتمل على 236 صفحة، بالقطع المتوسط.

هذا الكتاب في الحقيقة مجموعة مقالات كتبها فضيلة الشيخ السيد محمد الرابع الحسني الندوي في مناسبات مختلفة، ألهمها –كما كتب الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله في تقديمه للكتاب– انفعاله لما يقع في العالم الإسلامي من أحداث ووقائع، واتجاهات، وما تثور فيه من قضايا تَهُمُّ كل من يحمل الهم الإسلامي كرئيس تحرير صحيفة “الرائد”، ثم كالمشرف عليها، فقد أنشأها في عام 1959م، وكان العالم العربي يمر بمرحلة حرجة من تاريخه، فقد حدثت فيه ثورات وثورات، ولم تكن هذه الثورات التي كانت عسكرية، عسكرية بمعنى الكلمة، بل كانت فكرية وثقافية، لأن كل ثورة قامت، قامت بفلسفة في التعليم والثقافة، وجرّت البلاد إلى جهة خاصة، أدخلت فيها نزعات وتيارات فكرية، وحاربت فيها نزعات وتيارات كانت سائدة فيها.

كان العصر الذي كتب فيه الكاتب هذه المقالات، عصر تقلبات، تعرضت فيه طبيعة هذه البلدان لعمليات محو، وإضافة، ونزع، وتطعيم، وأدت هذه العمليات التي كانت تساندها القوة العسكرية التي كانت تتوكأ على دعم من المعسكر الشرقي الاشتراكي أو المعسكر الغربي الرأسمالي إلى تضحيات جسيمة، قام بها الشباب المسلم الغيور المحافظ على دينه، وعقائده، وخلقه، لأن المعسكرين كانا يتفقان على محاربة العنصر الديني، أو المعالجة الدينية للقضايا التي تواجهها البلدان العربية، وتحاولان تطبيق الأفكار الوافدة التي كانت تتنافى مع عقائد أغلبية هذه البلدان الإسلامية وثقافتها وطبيعتها”.

إن الخطاب في هذه المقالات موجه إلى الإخوة العرب لأنها بلسانهم، ونشرت في صحيفة عربية، وتتميز بالعاطفة، كما تتميز بالمطالعة العميقة، والفكر الغائر، فالكاتب معلم في طبيعته، وكاتب بهوايته، ومفكر بمطالعته العميقة، فيجد القارئ ألواناً مختلفة في هذه المقالات، ففيها مقالات تغلب عليها العاطفة، ومقالات تغلب عليها طبيعة التعليم والتربية، فقد مارس الكاتب مهنة التعليم والتربية طول حياته، وفيها مقالات تغلب عليها الدراسة العلمية والتفكير، فقد قضى الكاتب حياته في المطالعة العامة في لغات مختلفة، العربية، والأردية، والإنجليزية، وزار معظم البلدان المعروفة في أوربا وآسيا، وإفريقيا، وتعرف على مدارس الفكر فيها، بالإضافة إلى قضاء حياته في رعاية خاله سماحة الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي وتربيته العلمية والفكرية، واستوعب فكره، ليس بمطالعة كتبه ومؤلفاته والاستماع إلى خطبه ومحاضراته فحسب، بل رافقه في جولاته، ولقاءاته فاستساغ فكره.

ويجد القارئ عند ما يطالع مقالاته انعكاس فكر الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي باختلاف الأسلوب، والعرض، فلكل كاتب أسلوب وطريقة للعرض، كما أن لكل قارئ ميلاً ونزوعاً طبيعياً للقبول، والرفض، وذوقاً يختلف عن ذوق غيره.

قسم المؤلف هذا الكتاب إلى تسعة فصول وهي كما يلي:

1.التعليم والتربية

2.بناء المجتمع الإسلامي وخصائصه

3.نظرات في الدعوة الإسلامية ومناهجها

4.أساسيات الصحوة الإسلامية

5.كيف نواجه الغزو الفكري

6.خصائص الأمة الإسلامية

7.مسئوليتنا نحو الدعوة

8.مع الحقيقة

9.درس من التاريخ

إن الكتاب متنوع باعتبار الموضوعات، ومتنوع الأساليب كذلك، لأن لكل موضوع أسلوباً، ولكن هناك وحدة، وهي العاطفة الإسلامية التي تتدفق في كل مقال، وقد نشأت هذه العاطفة بدراسة الأوضاع بقلب متحرق، وتحت توجيه أستاذه ومربيه العلامة الشيخ أبي الحسن الندوي، ونشأته في أسرة عريقة في العاطفة الدينية، وطبيعته الحساسة، ويتضح ذلك مما كتبه، فيقول:

“إن الأمة الإسلامية اليوم أصبحت فارغة أوشبه فارغة من الإيمان القلبي، ولذلك لم تعد تصمد أمام هجمات الجاهلية الرعناء، وموجات الغزو الجاهلي الأوربي، وبذلك تتقوض قلاعها قلعة قلعة، فهل يجديها في هذه الحالة جهود المصطلحات والبحوث النظرية كثيراً، كذلك والنعرات والهتافات المنبثقة منها، التي نسمع ونقرأ دويّها في أقطار العالم الإسلامي.

إن الأمة الإسلامية اليوم في حاجة إلى تربية، والتربية عملية جهد طويلة، لا تنفعها جعجعة ولا صخب، بل إنما ينفعها العمل الصامت الدؤوب، وهي في حاجة إلى أن تكون على منوال العملية التي قام بها الرسول عليه السلام في صحابته، وقام بها صحابته في أتباعه، وهو منوال بسيط غير معقد، عملي أكثر من العلمي، قام على الاهتمام بصلاح القلب وإصلاح النفس قبل إعطاء حلول مفصلة كاملة لقضايا الفكر والعقل، الممكن حدوثها من الحياة الجديدة.

الأمة الإسلامية سائرة اليوم في مجالات الذلة والاستكانة باستمرار، تنهزم أمام الهجمات الجاهلية يوماً فيوماً، وهي حالة يصعب معالجتها بالألفاظ والبحوث الجافة، وثم إن هؤلاء المهتمين بالألفاظ والبحوث العلمية ليسوا جميعاً ممن يؤمنون بالإسلام، وإن الذين يؤمنون به ليس جميعهم ممن يؤمنون به من قلوبهم، أو أن الإيمان لما يدخل في قلوبهم، وهذه الظاهرة خطيرة جداً، بدأت تعم في أوساط الفكر العالمية، يجب معالجتها وإصلاحها.

على كل فإن الإسلام في حاجة إلى العمل المخلص، إلى الجهد الصامت، إلى الدعم الصحيح، إلى العملية المشابهة لعملية الجهد الإسلامي الأولى، وهو الحل المفيد في الوضع الإسلامي المتهافت اليوم في العالم.”(ص:13)

عالج المؤلف تأثير التربية الإسلامية على المجتمع، ونزعة النفوس إلى الضلال والانحلال، يقول:

“المبدأ الأساسي الكبير للتربية الإسلامية في كل وقت وقبل كل شيء هو ترسيخ دعائم القوة، والإيمان في نفوس أبناء الأمة، حتى تستطيع هذه النفوس أن تتماسك وأن تصمد أمام أي غزو يواجهها، ولا تنخذل بسهولة ويسر أمامه، وذلك لا يمكن إلا بتحصين هذه النفوس بمحبة الله ومحبة رسوله، وإيجاد الحب للمثالية الإسلامية في قلوب أبناء الأمة الإسلامية، فإن القوة الحاصلة من هذا الحب كانت وتكون دائماً أقوى درع واقية لهذه النفوس من الانزلاق نحو مبادئ الضلال والانحلال، وعليه يقوم صرح الفكرة الإسلامية الحصين، ولا يتزحزح بسهولة”(ص:15)

إن مؤلف الكتاب داعية، ومفكر إسلامي، يتحرق قلبه لما يراه في المجتمع الإسلامي من التضعضع، والانحلال، والتدهور والتخلف والانحراف فبحث أسبابه، فوجد أن المجتمع الإسلامي في حاجة إلى الإصلاح والتقويم، يقول:

“المجتمع الإسلامي اليوم بحاجة إلى التصحيح والإصلاح، وحاجته هذه ليست جديدة، بل افتقر في فتراته المختلفة من عمره إلى هذا التصحيح والبناء، فقد واجه ويواجه تحديات مختلفة، ومر ويمر من خلال تقصير وغفلة من أبناءه وأصدقائه، ومؤامرات ومكائد من أعدائه، فتضعضع بنيانه، واضطرب أساسه، وشل من قواه فضعف عن أداء مسئوليته، وأداء دوره المنوط به للهداية والقيادة، مع أن قيمه وتقاليده وآدابه – لو التزم بها هذا المجتمع – لكانت كفيلة بحراسته وصيانته من الفوضى والانحراف” (ص:25)

وإذا كان عمل بناء الأمة ومعالجة فضايا العالم الإسلامي مجردا عن الإخلاص، والجد والصرامة فلا يأتي بفائدة، فالعالم الإسلامي بحاجة إلى الشعور بالذاتية والعمل لإثباتها، يقول:

“العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى أن يكون مخلصاً لقضاياه، ساهراً على مصالحه الحقيقية، وتقع المسئولية في ذلك على قادته أكثر من غيرهم، سواء كانوا حكاماً، أو كانوا زعماء الشعب.

فإن الإخلاص والسهر على المصالح المشتركة ضمان للنجاح، وليست هذه الأسلحة الراقية، ولا الوسائل المتوفرة، فإن الأسلحة والوسائل المادية لا تعمل بنفسها، بل إنما تحركها وتستعملها الأيدي الإنسانية، والعقول البشرية، وهذه الأيدي والعقول لا تتحرك للخير، ولا تعمل بدون الإخلاص واليقظة، وهذا الإخلاص، واليقظة كلما وجدا في تاريخنا جاءا بأحسن العواقب، ولم يحل في طريقهما لا قلة العدد ولا قلة السلاح”.

إن الاعتدال والوسطية هي السمة الغالبة للإسلام، فإن الدين الإسلامي هو دين إنسانية واعتدال، يطلب من أتباعه أن يبقوا بشراً، ويتجنبوا الرذيلة والطغيان، فليس عليهم أن يصبحوا ملائكة لا يعرفون ما هو الجوع، وما هو المرض، ولا لهم أن يبقوا في أخلاق بهيمية وأهواء جامحة، فيصيروا مثل الحيوانات الهاملة التي لا تعرف إلا الأكل وإشباع رغباتها الحيوانية، يقول:

“إن الاعتدال هي السمة الكبيرة لهذا الدين، والتوسط هي الميزة الكبرى له، ولقد دل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سمع أن صحابياً من أصحابه قرر أن يعبد الله تعالى طول الليل ولا ينام، وقرر صحابي آخر أن يصوم كل يوم طول حياته، وقرر الثالث ألا يتزوج ولا يحقق رغبته في ذلك، فقال: لا تفعلوا فإني أكثر عبادة منكم، ولكني أعبد الله في الليل، وأنام كذلك، وأصوم وأفطر، وأتزوج كذلك، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تدل أخباره أنه قال مرة، وكان وجد طعاماً حسب رغبته مع بعض أصحابه: “هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة “مشيراً إلى الآية القرآنية )ثم لتسألن يومئذ عن النعيم( (التكاثر:8).(ص:70)

واستعرض المؤلف منهج الحركات الإسلامية المعاصرة ومنهج الدعوة الإسلامية ومن آداب الداعي المسلم أن يتميز بالمحبة والرفق في دعوته، ويتحاشى العنف والعداء بقدر ما يسعه، فإن هذا المنهج للداعي من أقوى أسباب تأثير دعوته ونجاحها.

أما ظهور الداعي المسلم أمام غير المسلمين في صورة مخاصم أو معاد فيطمس صورته الفاضلة الحقيقية، ويصرف نظر المدعوين عن حقيقة إخلاصه ونصحه في دعوته، ويصرفهم عن فهمها وإساغتها، وبذلك تبتعد النفوس عن الإقبال على الدعوة الإسلامية والاستجابة لها بصورة عامة، والأسوة الكاملة للدعاة المسلمين في ذلك هي السنة النبوية الشريفة، ولكن الحركات التي تبدأ عملها من منهج السياسة العملية المتسمة بالمكر أو الاصطدام فقلما يدخل عنها في نفوس الناس إلا صورة من حب الجاه والمال والسلطان، ولا يأخذ الناس عنها فكرة للفضيلة والبر والصلاح، يقول:

“نجد أمثلة كثيرة من التاريخ الإسلامي تشهد بذلك بالبلاد التي غزاها المسلمون بالمنهج الحربي الخاص لم تخضع لهم البلاد خضوعاً مخلصاً، وانقلب عليهم الوضع يوماً من الأيام مهما تأخر ذلك، وذلك عند ما ضعفت قوتهم المادية والحربية اللّهم إلا أن يساند حكمهم دعاة مخلصون من أهل الصلاح والتقوى، يعملون لتقريب الفضائل الإسلامية إلى القلوب والنفوس، بمحبتهم للناس وبسيرتهم الرقيقة الصالحة، وبطلبهم لخير الجميع، باذلين جهوداً مخلصة لاستمالة القلوب إلى فهم الفضيلة الإسلامية والإقبال عليها، مثبتين ذلك بحياتهم المثالية المتسمة بالمحبة والنصيحة والإحسان، فهؤلاء هم الذين يحفظون الحكم الإسلامي من كراهة المفتوحين له، وإذا عاصر هؤلاء الحكم الإسلامي على امتداده التاريخي لفتحوا القلوب والنفوس للإسلام، مع وجود مخالفات إسلامية من الحكام المسلمين، فقد يتحول شعب البلاد كله بجهود هؤلاء المخلصين الأبرار إلى شعب إسلامي جديد، فيزول البعد بين دين الحاكم ودين المحكوم، ويصير الحكم حكماً ذاتياً، فلا حاكم ولا محكوم.

وقد نرى نقص هذا المنهج المهم في التاريخ الإسلامي في أسبانيا، فقد حكمها المسلمون قروناً، ولكنهم لم يتمكنوا من تحويل شعب البلاد، ولم يجدوا من يفعل ذلك، فبقي أكثر أهلها بعيدين عن الإسلام، ولذلك قويت الجبهة العسكرية لأعدائهم حتى أعادوا البلاد إلى ما كانت عليه من الدين المسيحي، وطردت المسلمين من البلاد”. (ص:82)

ويرى الشيخ الندوي أن إصلاح المجتمع الإسلامي من أساسيات الصحوة الإسلامية، وهذا العمل لا يتم بالإصلاح الفردي والإصلاح الاجتماعي، فيقول:

“إن مسئولية الإصلاح الإسلامي تمتد في مجالين اثنين، مجال أنفسنا الفردي والأسر التي نرأسها، والمجال الاجتماعي الذي نقضي فيه حياتنا، فنحن مسئولون بعمل الإصلاح في المجالين الفردي والاجتماعي جيمعاً، يجب أن نرى أولاً إلى أنفسنا، ثم إلى أهلنا وعيالنا، ثم إلى جيراننا وأبناء وطننا من العوام والحكام فنؤدي العمل الإسلامي فيهم جيمعاً، وبذلك يكمل أداءنا للمسئولية الملقاة علينا”(ص:104)

ويتحدث المفكرون والدعاة عن النهضة الإسلامية، وتختلف وجهات نظرهم، وكل منهم يقدم رأيه حسب دراسته، ويرى الشيخ الندوي “أن العمل الصامت والإيمان الصامد وتلاية الفرد والمجتمع عماد النهضة، فيقول: “إن المسلمين في حاجة إلى العمل الصامت، وإلى الإخلاص، وإلى الإيمان الصامد، وإلى تربية الفرد، وإعداد قبل الكلام والإعلام.

فلقد اهتم نبينا وقائدنا الأول سيدنا محمد رسول الله r بتربية النفوس والقلوب أولاً، وقضى في ذلك وقتاً طويلاً حتى أصبحت لديه ثلة مؤمنة قوية في إيمانها وإخلاصها وتفانيها لقيمها ومثلها، فقامت بالمعجزات، فلو أصبح فرد واحد اليوم على هذه الشاكلة الرفيعة لاستطاع أن يأتي بأغرب النتائج، فالمسلمون بحاجة إلى اختيار أسلوب التربية والبناء، وأسلوب العمل الصامت والاعتماد على العمل أكثر من الاعتماد على الكلام، سواء عرف الناس عنا، أو لم يعرفوا”. (ص:112)

ويرى الشيخ الندوي أن الإسلام يواجه اليوم في مختلف دياره وأقطاره تحديات شديدة، منها الغزو الفكري والثقافي الذي اكتسح به الغرب أقطار الإسلام وشعوبه، وأحدث به في اتجاهات الجيل الإسلامي وأخلاقه وآدابه انقلاباً هائلاً، وفي أفكاره وأخلاقه وآدابه تغييراً كبيراً، يقول وهو يبين طريقة المعالجة:

“على كل فإن الانتصارات الفكرية المعادية التي أحرزها الغرب طيلة سلطانه في شعوب الشرق الإسلامية لا يمكن إزالة تأثيرها وإعادة المجتمعات الإسلامية إلى أصالتها إلا بتنظيم جهود دقيقة وشاملة تغطي كل جوانب الحياة الإسلامية العقلية والأدبية، وهذا التنظيم مفتقر إلى خبرات مخلصة، وعقول مؤمنة، وجهود لا يوجهها إلا الإسلام، ولا يغذيها إلا الإيمان بشرف الدين الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان، وإلى اختيار الحمية، فإن الحمية نصف العلاج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” (ص:127)

ليس المسلمون أمة برزت إلى الوجود لأسباب مؤقتة، أو نشأت في ظروف طارئة سطحية حتى تموت بعد فترة قصيرة من الحياة، كما قامت كثير من الأمم في التاريخ الإنساني، وتذوب أمام الحقائق الثابتة من الحياة، وتغيب عن امتداد التاريخ، كما ذابت واختفت كثير من الأمم التي ظهرت في التاريخ، وكان لها رونقها وفخامتها، ولكن الأيام لم تمتد بها، فغابت عن الوجود.

إن حقيقة الأمة الإسلامية غير حقيقة هذه الأمم، وإن تاريخها غير تاريخها، إن أمة الإسلام نشأت على أساس متين من القوة والحياة، وبرزت برسالة خالدة بقيت، وستبقى مع امتداد التاريخ، وتبقى معها هذه الأمة أيضاً، إنها بنيت على كيان متماسك قوي، ونشأت على منهج إنساني أفضل، وذلك بتوجيه الوحي الإلهي العظيم، وبتربية معلم الإنسانية ومربيها الأكبر محمد رسول الله r، فيرى الشيخ الندوي أنه “يجب أن تعرف الأمة الإسلامية أن قيمتها في مجال الفضيلة لا تزال أكثر من القيمة التي تملكها أي أمة أخرى من أمم اليوم، وأن أي أمة في الوجود لا تبلغ إلى العظمة التاريخية والعظمة الإنسانية التي تبلغها أمة الإسلام مع كل تخلف وانهيار تمر الأمة الإسلامية اليوم من خلالها، فإن الشعور بالنقص الحقيقي والاعتراف به شيئ حسن، ولكنه يجب أن لا يكون على حساب الاعتزاز بالخير والفضيلة اللذين تملكهما هذه الأمة السمحاء الكريمة”. (ص:146)

ويقول: “ولابد أن يكون في حسابنا أن قوى الدفاع الإسلامي قليلة، وقوى الشر والعداء كثيرة، وبذلك إذا لم تتكاتف القوى الإسلامية، ولم تتضاعف منها الجهود لن يسع المسلمين التغلب على الأخطار المحدقة بهم “(ص:151)

ويرى الشيخ الندوي أننا بحاجة إلى القيام بواجبنا نحو العمل بأنفسنا أولاً بالقيم الفاضلة، ثم الدعوة إليها، فنحن مسئولون عن ذلك، لكوننا أمة الدعوة أمة الرقابة للبشر أجمعين عملاً بما جاء من عند الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد: }وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس{ (البقرة:143)، و}كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله{. (آل عمران:110)

فنحن أمة الدعوة وأمة الهداية يجب أن نعرف مسئوليتنا، والله هو الموفق” (ص:177)

إن الأمة الإسلامية أمة العز والشرف، وأمة الغلبة والحكم، وأمة القيادة والسيادة، ولكنها أصبحت اليوم مهانة ذليلة، فكيف تستعيد مكانتها السابقة؟ فيقول الشيخ الندوي:

“إن حياة المسلمين أصبحت مرة أخرى تحتاج إلى أن تكون حياة شظف وجهد وكفاح، وإن العزة والمناعة التي تمتعوا بوجودها عندهم قروناً قد فارقتهم منذ زمان مع أنهم في أشد حاجة إلى عودتها إليهم، فإن الأمم لا تستطيع أن تعيش عزيزة شريفة بدون أن يكون فيها المناعة والقوة، وهما لا تحصلان إلا بالجد والشظف، لا بالرفاهية واللذة” (ص:228)

ويضيف: “ولكن مع ذلك يجب على المسلمين الفهم والتعقل حتى لا تطول عليهم مدة مسكنتهم وزوالهم، ولا يمكن العمل بكل ذلك إلا بالعودة إلى الطرق التي جربها أسلافهم، وكسبوا بها كل عزة وفائدة، وهو تجريد الحياة أولاً وتطويعها لمناهج الجد والشظف، والتضحية وروح الطموح، وسمو النفس، واختيار مظاهر الرجولة والجد والجهاد، فإنما لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”(ص:231)

فخلاصة القول أن الكتاب يعالج الموضوعات التعليمية والتربوية، وبناء المجتمع الإسلامي، ومناهج الدعوة، ومقتضياتها، وترشيد الصحوة الإسلامية، وبيان المزالق فيها، وأساليب الغزو الفكري، وطرق معالجتها، وبيان خصائص الأمة الإسلامية، ومسئوليات الدعاة، ودراسة للأوضاع التي يمر بها العالم العربي، وخاصة ممارسة الوسائل القمعية التي لجأت إليها بعض القيادات السياسية خوفاً من الثورة المضادة، ودرءاً لرد فعل الشعوب المقهورة.

وتزداد أهمية هذه المقالات، لأن كثيراً من الكُتَّاب يتناولون هذه الموضوعات باختلاف طبائعهم وثقافتهم وأساليبهم، فيقع كثير من القراء منها في حيرة، ولكن هذه المقالات تعالج هذه الحيرة، وتهدي إلى سواء السبيل.

وكانت هذه المقالات مدفونة في ملفات صحيفة “الرائد” فقام بإخراجها ومراجعتها وجمعها في كتاب مستقل الأستاذ محمد وثيق الندوي، ثم ألقى عليه نظرة الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي والأستاذ نذر الحفيظ الندوي وكتب الأستاذ محمد واضح رشيد الندوي كلمة تقديم للكتاب، يقول المؤلف:

“ولقد تعاون معي في اختيار اللائق من مقالاتي من بين سائرها بناءاً على اختصاصها بالظروف المهمة خاصة، إخواني، أذكر منهم بصورة خاصة الأخ الأستاذ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي، والأستاذ نذر الحفيظ الندوي ولقد زاد الأخ نذر الحفيظ الندوي تعاونه فبذل وقتاً بإلقاء نظرة على مواد هذه المجموعة ببعض آرائه، وكتب الأخ الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي كلمة تقديم للكتاب زادت من أهمية نشر هذه المقالات، فللأخوين شكري وتقديري اللائقان، ولقد بذل العزيز محمد وثيق الندوي عناية وجهدًا في جمع المقالات وإعدادها للنشر فله شكري كذلك”(ص:5)

×