الحج عبادة عظيمة وليس سياحة

الإنسان والإسلام معاً!
14 مايو, 2024
الإخلاص هو العمدة في الأعمال
23 يونيو, 2024

الحج عبادة عظيمة وليس سياحة

سعيد الأعظمي الندوي

مما يعلم الجميع أن إسلام المرء لا يكتمل من غير تطبيق شريعة الله تعالى على الحياة بكاملها، ولا يرتفع صرح الحياة الإسلامية إلا على دعائم أربع، فقد جاء فيما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، بيان لبناء الإسلام الذي رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان” (متفق عليه: خ 25–م22).

فهذه هي الدعائم الأربع أو الأركان الأربعة التي يمثلها المرء المسلم لإكمال دينه، فالصلاة لا تُفرضُ على من لم يبلغ الحلم كالأطفال، والزكاة ليست مفروضة على من لا يملك النصاب الشرعي لإيتاء الزكاة، وكذلك الصوم لا يُفرض على من لم يبلغ الرشد، وكذلك الحج ليس مفروضاً على من ليست عنده استطاعة، إما من شدة المرض أو قلة الزاد والراحلة، أو من أجل تقدم السن بحيث لا يمكنه السفر، ولا يستطيع أداء أركان الحج ومناسكه.

ولكن الذي فرض عليه الحج واستطاع إليه سبيلاً، فهو مسئول عن أداء فريضة الحج، والرحلة إلى مكة المكرمة وطواف بيت الله تعالى والسعي بين الصفا والمروة، وتطهير الحياة بكثرة الصلاة، والدعاء وحضور الحرم الشريف وانتظار الصلاة بعد الصلاة في الحرم، فقد قال الله تعالى:)الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ( [ البقرة:197]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (متفق عليه، البخاري:1521، ومسلم:1350).

فطوبى لمن حجّ ولم يترك فرصة من فرص الدين والعبادة والاتصال بالله تعالى وكثرة التلبية، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، رجع مطَهّراً مزكي، وجالباً

لرضا الله تبارك وتعالى بحج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور وتجارة لا تبور، فهو الذي أدى واجب الحج كما أمره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهي سعادة لا تعادلها سعادة، وذلك هو المطلوب من كل حاج لبيت الله والمسجد الحرام.

إلا أن هناك عدداً كبيراً ممن أدى فريضة الحج وهي فريضة تؤدى مرة واحدة في الحياة، ولكن الشيء الذي يبعث على العجب أن كثيراً من الناس يحجون مراراً، ومنهم من يحج كل عام، ما عدا العمرة، قد يقوم بأدائها مرة أو مرتين كل عام، وإنني أظن أن الحج في كل عام، وكذلك الاعتمار كل عام ليست من حاجة الدين، بل قد يكون ذلك نوع الإٍسراف وبذل الإمكانيات والطاقات في غير موضع، ولو وفرنا كل ذلك لخدمة الدعوة إلى الله وتبليغ دين الله تعالى إلى الآفاق، ورفع مستويات العمل الإسلامي والقيام به بالإيمان والاقتناع، لكان ذلك في صالح الأمة الإسلامية، ونشر الوعي الإسلامي والتعليم الإسلامي والسيرة الإسلامية في أرجاء المعمورة، فكم من الناس في الغرب والشرق يترقبون أن يعرفوا دين الله تعالى ويهتدوا إلى الإسلام، ولكننا نحن غافلون عنهم، ونتباهى بذكر أعداد الحج، فمن قائل يقول: إنني حججت والله عشرين مرة، ومن الناس من يقول: إنني أحج وأعتمر كل عام، بلغ عددهما إلى ما لا يأتي عليه الحصر، وكثير من الناس ممن حجوا واعتمروا مرات كثيرة، ويذكرون ذلك في كل مناسبة، هكذا تختلف المقاييس الدينية والمستويات في إبداء السر الذي يكون بينه وبين ربه، فماذا يقال في هذا النوع من عباد الله، الذين لا يجعلون عبادتهم سراً، بل يتظاهرون بها في مجلس دون مجلس، وفي مكان دون مكان، يقول الله عزوجل وهو يذكر أشهر الحج:) وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ( [ البقرة: 197].

×