المسلمون وعبادة الصيام
17 مارس, 2024الحج عبادة عظيمة وليس سياحة
6 يونيو, 2024الإنسان والإسلام معاً!
سعيد الأعظمي الندوي
كل شخص يتأمل في هذا الكون الواسع الهائل الذي خلقه الله تعالى بجميع ما خلقه فيه من حياة وجماد، وبحار، وسماء، وأرض، وفضاء، وأجواء، وما أودع فيه من أسرار جمة ذات دلالات عميقة على قدرته الواسعة العملاقة التي لا تكاد تدركها العقول، كل من يفكر فيها ويتعمق بتفكيره إلى الأغوار البعيدة، صاح من غير تأخير: سبحان من جلت قدرته، وعظمت هيبته، وعلت مكانته، وتخلدت ذاته، وتجلت آياته في كل شيء مما عُثر عليه، وما هو في طريقه نحو العثور عليه واكتشافه، وهو الواحد الأوحد الأحد ليس له ند ولا شريك، ولكنه خلق الإنسان ليبلو في هذا العالم البشري مدى ارتباطه بذلك الينبوع الثر الذي يشفي به غليل الحياة في احتياجاتها من عموم الرزق، ومكابدة الظروف الصبعة في سبيله، وهنالك أفاض عليه من الخيرات والبركات ما لا يخطر على بال، إلا أن من المعلوم أنه لا يعطي إلا بقدر ما سعى له وبذل جهوده فيه، وقد صرح الله سبحانه بذلك في قوله: “وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى” (النجم:39-41).
ولذلك فإن السعي الجاد الذي يقوم به الإنسان يتطلب منه أن يكون عمله متقنًا ومخلصًا، لا يشوبه شيئ من الرياء والكبر والغلو، بل المطلوب أن يكون متفقًا مع الطبيعة ومطلوبًا منه رضا الله تعالى وهنالك يستحق الجزاء الأوفى بأمر من الله وحده، وفي هذا الشعور نفسه يعيش المسلم المؤمن بربه وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يصدر منه عمل فج، ولا يغفل مسئوليته في أي حال، وإن هذا السعي للعمل بعيد عن الغش والخيانة وخدمة المصالح الذاتية، حتى إن السلف الصالح رحمهم الله ما كانوا يرضون بعمل العادة وإنما يتوخون في كل صغير وكبير الإخلاص لله تعالى، لكي يكون عبادة له مهما كانت علاقته بذات المصلحة الإنسانية، كما يكون بذل المرء الجهد والتعب في البحث عن منابع الرزق لنفسه وأهله، ومن يتولاهم من أعضاء أسرته، “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ” (البلد:4).
حينما نقرأ حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه نجد أنه كان قد ركز جل أوقاته وجهوده في خدمة الدولة وإتقان عمله، فكان لا يعيش إلا لرفع الدين وإعلاء كلمة الإسلام، وتفقد أحوال الرعية ومتابعة الاطلاع على العمال والأمراء، فإذا وجد نقصاً أو عيباً أو خيانة منهم فتش عن كل ذلك وحقق بنفسه دون أن يعتمد على الآخرين فحسب، كان يتجول الليالي في العاصمة بزيّ غير معروف حاملاً معه ما يحتاج إليه الناس من عموم الرزق، وكان يستمع إلى ما يقوله الناس عنه وعن دولته الإسلامية؟ هل هم يمدحونه حيناً أو يذمونه حيناً آخر؟ فكان عمله مما أدى إلى نشر العدالة الاجتماعية التي تعتبر أكبر ركيزة لبناء المجتمع الأفضل.
وذلك هو المجتمع الذي يعيش فيه المسلمون الصادقون، ويُعدون للآخرة بصالح أعمالهم وإحسانها، ويمثلون حياة نزيهة، وأخلاقاً فاضلة، بين الاتصال بالله تعالى وبالناس، وكل ذلك لجلب الرضا والحصول على نعمه في الدنيا والجنة والنعيم في الآخرة، وهكذا يجمع الإنسان بين الحياتين السعادة الغامرة والهناء الموفور ما يجعله محبباً وقدوة، بتوفيق من الله تعالى، وإن كان هناك عدد من الناس لم يرزقوا من معاني الدين شيئاً، ولم يدركوا المستقبل، وتمادوا في غفلة عن المصير وظنوا أن الدنيا تبقى لهم بزخارفها، كما هو الشأن لمن لم يذق طعم الإيمان، ولم يدر ما عاقبة الإنسان في هذه الدنيا، وعاش فيها مخدوعًا وفي شرك وكفر من غير أن يبالي بما قد قيل فيها:
هي الدنيا تقول بملء فيها | حذار حذار من بطشي وفتكي |
فذاك من استأنس بالشقاء، وألف العصيان والجحود والنكران، وقد وجه إليه كتاب الله تعالى سؤالاً وهو: “أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى؟” (القيامة:36-39) فما جوابه إذن؟!
نحن أمة الإسلام وظيفتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله تعالى، فلندعه سبحانه أن يكرمنا بالسعادة والنعيم في كل مكان، وبقوة العمل الصالح، وحمل أمانة الدعوة إلى الله تعالى وأدائها بكل دقة وأمانة، فإن الدنيا وأهلها يتطلعون إلى ما يحل مشكلاتهم، ويقضي حاجاتهم، ويتطلعون إلى منهج الإٍسلام للحياة الإنسانية “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” (فصلت:33).