ستظل ذكراك خالدةً في قلوبنا
17 مارس, 2024الشيخ محمد حنيف الغجرانوالوي الندوي
14 مايو, 2024الدكتور أحمد أمين وأشهر أعماله العلمية والتاريخية والأدبية (3/ الأخيرة)
د. محمد وثيق الندوي
ظهر الإسلام:
إن كتاب “ظهر الإسلام” في أربعة أجزاء، فالجزء الأول منه يشتمل على كتابين، والكتاب الأول يحتوي على بابين، والكتاب الثاني يشتمل على خمسة أبوب، وإن الباب الأول من الكتاب الأول يتحدث عن الحياة الاجتماعية، ومراكز الحياة العقلية من عهد المتوكل إلى آخر القرن الرابع الهجري، وكانت هذه الفترة مضطرمة بالأحداث والانقلابات، فيذكر الكثير عن سكان المملكة الإسلامية من العرب، والأتراك، والفرس، والروم، والسود، ثم انتقل إلى بيان المذاهب الدينية في المملكة الإسلامية، واليهود والنصارى، وأثر هذه العناصر والمذاهب والديانات على الثقافة الإسلامية.
وإن الباب الثاني يتحدث عن أهم المظاهر الاجتماعية والسياسية في ذلك العصر، فقد وضح المؤلف انقسام الدولة إلى عدة ممالك، وأثر هذا الانقسام في تنمية الحركتين الأدبية والعلمية، ثم ما تبع ذلك من مظاهر البؤس واللهو والجد، ثم التفت إلى انهيار المجتمع الأسري بانتشار الرقيق وتنازع أبناء الأب الواحد، وأثر كل ذلك في الحياة الاجتماعية.
وأما الكتاب الثاني من الجزء الأول فهو يتحدث عن مراكز الحياة العقلية في ذلك العصر، فالباب الأول منه يبحث عن العهد الطولوني والأخشيدي في مصر، ويعالج الحركة الدينية والحركة اللغوية والنحوية، والحركة الفلسفية، ثم يتحدث عن الحركة العلمية والأدبية في الشام،ملتفتًا إلى العهد الفاطمي، والباب الثاني يتحدث عن العراق وجنوبي فارس، وعن أشهر المدن التي اشتهرت بالعلم، ثم يتحدث عن الحركة العلمية والفلسفية والأدبية فيها، ثم يستعرض الحركة الفسفية والأدبية في جنوبي فارس، وأثر الدولة البويهية في العلم والأدب،والباب الثالث يذكر الحركة العلمية والأدبية والفلسفية في خراسان وماوراء النهر، والباب الرابع يبحث في السند وأفغانستان، والباب الخامس يتحدث عن بلاد المغرب والاعتناء بالحديث والفقه والحركة الأدبية والحركة العلمية في صقلية، والباب السادس يبحث في جزيرة العرب.
وأما الجزء الثاني فخاص بمراكز الحياة العقلية في هذا العصر، وهي مراكز شتى في مصر والشام والعراق، وجنوب فارس، وخراسان وماوراء النهر، والسند وأفغانستان، والمغرب، ويشتمل هذا الجزء على اثني عشر بابًا، وفي كل باب منها حديث دقيق عن الحركة الدينية والحركة اللغوية، والحركة الأدبية، ورجالها، وأبرز مؤلفاتهم، وأثرهم في سير الثقافة الإسلامية، كما يشمل الحديث أشياء هامة عن مدن الثقافة، والدول السياسية التي رعت هذه الثقافة، والقائمين عليها في كل دولة.
وإن الجزء الثالث من ظهر الإسلام يبحث في الأندلس خاصة، فقد أفاض الدكتور أحمد أمين في الحديث عن العرب منذ فتحوا البلاد إلى خروجهم منها، وكان اهتمامُه كعهده بالحركات الدينية واللغوية والنحوية والأدبية والفلسفية والتاريخية والفنية،وهذا الجزء يحتوي على سبعة أبواب.
وأما الجزء الرابع من ظهر الإسلام فهو يحتوي على أربعة أبواب، ويبحث في الحركات الدينية المختلفة من سنة، وشيعة، ومعتزلة، ومرجئة، وصوفية، وفقهاء، وما قام بين هذه الحركات من صراعات ومجالس، أدت إلى ظهور حركة أو طائفة على أخرى، حسب ميول الخليفة أو السلطان، فأحيانًا كانت المعتزلة تزدهر، وتخفو الحركة المعادية لفكر المعتزلة أهل العقل والرأي، كما حصل في عهد المأمون مثلاً.
وإن هذا الجزء الرابع مذيل بذيل يبحث في تاريخ الحركات العلمية والأدبية والمذاهب الدينية من القرن السادس حتى النهضة الحديثة.
وقد توفي الدكتور أحمد أمين قبل أن يظهر هذا الجزء الرابع إلى الوجود،حيث ترك أوراقه في أدراج مكتبه، وعهدت أسرته إلى تلميذه الدكتور أحمد فؤاد الأهواني لكي يعمل على نشر الأوراق المخطوطة وفق ما يراه في ترتيبها،فقام الأهواني بهذه المهمة خير قيام، فأتاح لهذه الصفحات أن ترى النور على نحو كريم،وقد توسَّع في الفهرس بعض الشيء، فذكر العناصر الجزئية للموضوع الكلي، وحدد أرقامها على غير المتبع من قبل.
يقول بعض الباحثين إن الدكتور أحمد أمين في هذا الجزء الرابع يظهر بأنه معتزلي الفكر، ونادى بالرجوع إلى فكر ورأي المعتزلة، إذ أنهم فهموا الإسلام بالعقل والرأي والفكر، لا بالتقليد المجرد، والحق يقال كما يقول الدكتور الأهواني إن أحمد أمين كان في كتابته للحياة العقلية في الإسلام فيلسوفًا، لأنه ارتفع إلى هذه النظرة الكلية الشاملة، وبسَّط تلك الحياة بنظره النافذ الثاقب.
فإن سلسلة “فجر الإسلام” و”ضحى الإسلام” و”ظهر الإسلام” من أنفس ما كتب الدكتور أحمد أمين، وهي من ذخائر الفكر الإسلامي دون نزاع، ولا بد لكل دارس وطالب من طلاب العلوم الإسلامية والتاريخ الإسلامي، أن يطالع هذه الكتب الجليلة الدسمة: فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام، ليكون مطلعًا على تاريخ الإسلام ودوره القيادي وعطائه العظيم في مختلف مجالات الحياة.
ومن كتبه الأخرى “زعماء الإصلاح في العصر الحديث” و”فيض الخاطر” (10 أجزاء) وهو مجموع مقالات أدبية واجتماعية وسياسية، تعين الناشئة في التدرب على كتابة المقالات العربية، و”النقد الأدبي” و”حياتي”.
حياتي:
لقد ظهرت كتب كثيرة يتحدث فيها أصحابها عن سيرهم الذاتية كالدكتور طه حسين، وسلامة موسى، ومحمد حسين هيكل، والعقاد، وميخائيل نعيمة، ولكن سيرة كان لها أثر كبير لدى القراء، هي سيرة الدكتور أحمد أمين، وإن كان بعض الناس يقولون إن كتاب طه حسين “الأيام” حاز شهرة فائقة، وأصبح الأول في موضوعه عند الكثيرين، ولكن أحمد أمين امتاز عنه في التزام الصدق بينما تعمَّد طه حسين الصدق الفنى لا الصدق الواقعي كما كتب الدكتور محمد رجب البيومي.
فإن كتاب “حياتي” يحتوي على الصدق الكثير في سيرة كاتب باحث حمل أمانة القلم، وشق طريقه في الصخر صامدًا، وألف في الفروع المختلفة من قضايا الأدب والنقد والتاريخ والاجتماع، وقام على تحرير مجلة ” الثقافة ” التي وجهت القراء إلى المستويات الرفيعة في الآداب والعلوم والفنون، ومع هذا النصر المبين في دنيا العلم والأدب والخلق فقد خاف الرجل من حديثه عن نفسه خوفًا ظهر في سطور كتابه، وقدم تاريخ حياته سجلاً رائعًا لكفاح إنسان عصامي، بذل أقصى جهده حتى صار علمًا من أعلام الفكر والثقافة في العصر الحديث.
وقراءةُ كتاب “حياتي” تنشئ في الطلاب عاطفة الاندفاع إلى الأمام، وبذل الجهد الدؤوب في سبيل نيل الهدف المنشود، كما يزود القراء بالألفاظ والتعبيرات والجمل الأدبية التي تُستَعمَلُ في الحياة اليومية، من الصباح إلى المساء، فلابد لطلاب العلم والأدب أن يطالعوا هذا الكتاب بالإضافة إلى سير الأعلام الآخرين.