العلم والتعليم منبع الأفضلية للإنسان!
5 مارس, 2020نحن المسلمين بين الأمس واليوم! (2)
13 أبريل, 2020نحن المسلمين بين الأمس واليوم! (الحلقة الأولى)
حياتنا نحن المسلمين اليوم تتعرض لمخاطرات ذات ألوان وأنواع، منها ما له علاقة بالشؤون الفردية والاجتماعية، وما له صلة بالعقيدة والإيمان، ولا يزال العالم البشري يشاهد الظروف التي نعاني منها في حياتنا العامة والخاصة كذلك، نرى أن طريقنا الطبيعي أصيب بالانحراف، فأحيانًا نحيد عن الطريق المستقيم مشغولين بأخس نفع مادي، ولا نبالي بما إذا خدعنا في تجارة وغشينا بالمواد الرديئة المشترين المستهلكين، وحصلنا على قيمة مرتفعة إزاء خدمة حقيرة، هذا على سبيل المثال فقط وإلا فإن هناك جوانب كثيرة تخسر فيها تعاليم الشريعة، ومراشد الهداية طريقها الطبيعي، وبذلك نحقق رغائب نفسية من غير وازع خلقي، وتنقضى أوقاتنا الغالية في تدبير شؤون الحياة على غير هدى.
أما المسئوليات الدينية والاقتصادية فلا نمارسها على ما أمرنا الله تعالى به وعايشها الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما نتبع فيها الأهواء والظروف المعاشة والعادات المعاصرة، دون أن نتوخى تمثيل نموذج السلف الصالح وحياتهم، وإن كنا نعيش في مجتمعات المسملين ونتبع العادة في كثير من الشؤون التعبدية، من غير أن يكون لمفهوم عبادة الله تعالى أي شعور أثناء العبادات والواجبات والسنن والنوافل، وكلما صارت العبادة عادة فحسب فكيف يمكن أن تنال قبولاً عند الله تعالى، وهذا واقع نعيش فيه اليوم دون أن يكون العلم الديني والعلم الإنساني المطلوب مبشرًا لنا بالخشية التي ينتجها العلم السليم، وكيف يكون مصداقاً صحيحاً لقول الله تعالى: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” [فاطر:28] وفيه معنى الحصر والاختصاص لمعنى الخشية والخشوع لله تعالى من قبل العلماء من عباده الذين يمثلون نموذجاً كاملاً للعبودية الصادقة،ولا يتناسون في أي حال أن الله سبحانه هو الخالق الوحيد لجميع الكائنات، وأفضل خلقه فيها إنما هو الإنسان الذي يؤمن في كل لحظة ومن غير نسيان أن الله تعالى هو الذي صوره وخلقه من ذرة حقيرة في هذا الكون الهائل الواسع العظيم، وما خلع عليه لباس الإنسانية إلا الله تعالى، الذي جعله من أفضل خلائقه وأكرمه بالإيمان الخالص وبنعمة الإسلام التي تبناها في جميع الأحوال والظروف، وعاش في ظلالها قائماً بكل إخلاص وطمأنينة وشهادة بالعدل والقسط: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا” [المائدة:18] وبهذه العملية الخالصة يكون مثالاً للآخرين يُحتذى به في كل مناسبة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ” [الأنفال:29].
فهل نحن المسلمين المعاصرين قائمون بهذه النماذج الإسلامية المثالية، وهل نحن في وضعنا الحاضر نتمكن من القيادة العالمية التي أخرجت لها هذه الأمة في تاريخها السابق، وذكرنا الله تعالى بما كنا فيه يوم أخرجنا كخير أمة فقال تعالى: “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” [آل عمران:110] وما أحوج العالم البشري المعاصر إلى قيادة خير الأمة التي تعلم الإنسان مكانته الطبيعية وعمله المتاح له من ربه العظيم، ذاك أن الفساد بجميع أنواعه يشمل المجتمعات البشرية على المستوى العالمي، ويعود أفضل الخلق الإنسان إلى أشر خلق يتولى إفساد كل صلاح وهدم كل بناء، وإبطال كل كلمة حق، وإساءة كل إحسان، إنه مخدوع بالتميزات التي أكرم بها في مجال العلم و الصناعة والابتكار، وبالاتساع الكبير الذي أناله الله تعالى في شؤون الحياة كلها، فبدأ يزعم أنه هو النموذج الأمثل للإنسان بإزاء ذلك الإنسان الذي عاش سوءة التخلف والفقر والجهل في العالم المنصرم،ولكنه بالرغم من ذلك أصبح اليوم أضل من الأنعام، وأرذل من أراذل البهائم، ومن الخنافس وما إليها، وكيف لا يمثل كل هذه الرذائل المشهودة اليوم، وقد أصبحت حياته مجموعة زاخرة بالرذائل من كل نوع ومن الجرائم ما يستحي منه الحيوان، فقد زالت عنده فروق الحلال والحرام، وساغت له كل جريمة خلقية من الكذب والزور والبهتانُ، وحبب إليه جميع ألوان الحسد والبغض والافتراء والقسوة والعصيان، وحدث ولا حرج.
ولكن العالم اليوم أحوج إلى إنسان الإسلام، وهو القائد الأصيل للعالم البشري وهو السبب الوحيد لبقاء الكائنات كلها، وتطوير خطواته في مجالات الحياة كلها من غير استثناء، فالقاعدة الأصيلة لحياة الإنسان تعاليم الخالق الأوحد الوحيد وتوجيهات خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم لبناء الإنسان في معنى الكلمة. (للحديث بقية)
(سعيد الأعظمي الندوي)