نحن المسلمين بين الأمس واليوم! (الحلقة الأولى)
21 مارس, 2020الإنسان بين الشكر والكفر (1)
9 يونيو, 2020نحن المسلمين بين الأمس واليوم! (2)
ولكن هناك تخطيطاً آخر أحدثه معارضو الإسلام من قبل مردة الإنس والجن من زعماء الدول المادية الخالصة، ذاك أن تعاليم الإسلام استهدفوها بالنقد اللاذع في إثبات أنها لا تتفق وفطرة الإنسان في العصر الراهن وخاصة في مجال الكسب والمعاش، وقد اخترعوا لذلك أساليب تؤكد للمسلمين أنهم ما داموا يميزون بين الحلال والحرام، ويلتزمون الطرائق القديمة من حضارة الإنسان التي مضت وبادت، ويُصرون عليها، فإنهم يكونون كعضو معطل في الحضارة الجديدة المعاصرة التي تفتح الطريق نحو المسايرة مع العالم الحديث في جميع نواحي الحياة والمجتمع.
وقد ركز زعماء هذه الحضارة جميع توجهاتهم الفكرية والاصطناعية على هذه النقطة وأقاموا السد العالي على منابع العلم الأصيل والشعور بالأفضيلة التي صيغت في طبيعة الإنسان ومُزجت بها إلى آخر بقاء هذا العالم، إنهم يتهمون تعاليم الإسلام ويعتبرون أن قادة المسلمين يزعمون ويقولون: إن الحضارة التي اخترعها الغرب إنما هي حضارة زائفة ليس لها أساس، إنما تقوم على الأهواء والزخارف الضائعة، ورغم أن أهل الغرب ذاقوا مرارتها ولا يزالون، ولكنهم لا يعرفون لقضاء أيامهم طريقاً آخر، لقد بذل زعماء الغرب كثيراً من محاولات الإقناع بما يصنعون، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير، إلا أنهم خافوا على أنفسهم بالتزوير الحضاري الذي يقومون به، وتأكدوا أنهم سيفضحون يوماً ما، فاجتمعوا للنقاش في الموضوع وتوصلوا إلى أنه لا مناص من اقتلاع جذور الخوف، ولابد من الضربة الأخيرة على أساس الإيمان والعقيدة، وإخراج هيبتهما من القلوب، وقد بدا لهم في سبيل تحقيق هذا الهدف المهم أن يخترعوا أسلوباً عالمياً يشمل الوجود البشري والكائن الإنساني على المستوى العالمي، فكان الإعلان العام عن “فيروس خطير” يهدد العالم، ويعم الحياة الإنسانية في كل جزء وبقعة من العالم البشري، وهو فيروس كورونا الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ويحصيها، ويهدد فناءها للأبد.
هكذا هاجموا على قدرة الله تعالى وأكدوا للأمة الإسلامية أن عدوى هذا الفيروس ذات خطر كبير جداً، فلابد من الأخذ بالحيطة الكثيرة في الشئون الاجتماعية، وإن كانت تعبدية في المساجد ومراكز التعليم والتربية والتجمعات الدينية والعقائدية، وإن كانت تتعلق بأركان الإسلام، إذن لا مناص من إغلاق جميع النشاطات من الصلوات والجمعات في المساجد لوقت ما، ولا مانع عن أدائها بالانفراد؛ لا بالجماعات التي تورث الفيروسات المعدية، ولاسيما إذا حدثت على المستوى العالمي، كما هو الشأن اليوم، فالعالم كله يعيش اليوم تحت ضغط هذا الخطر الكبير، ولا يمكن التغلب عليه إلا بالمقاومة الفردية البعيدة عن كل تجمُّع أو اختلاط من الجماهير.
إنها حرب باردة من بعض الدول الكبيرة المعاصرة التي تنافس الدولة الكبرى العالمية التي لا تسمح بأي حال أن تكون هناك حكومة متسعة تتميز بالصناعات والإعدادات من كل نوع، فكان أسهل مشروع لهزمها أن تعلن بأن هناك مصيبة عالمية أدركت أغوار نتائجها واستدراك علاجها، بالوقاية السريعة التي إذا تأخرت شملت العالم البشري بكامله وظلت إلى مدة طويلة، ولا يمكن علاجها يوم ذاك إلا بوضع الحظر الشديد المستمر على كل تجمُّع وإن كانت له علاقة بالعبادات ومراكزها الكبيرة والصغيرة من غير استثناء.
وقد خضع الناس أمام هذا الإعلام، ووقعوا فريسة لما لا مثيل له في أدوار التاريخ إلا بصورة صغيرة ووقائية فقط، وقد نجح الناجحون فيما تخيلوه فأجبروا المسلمين على إغلاق المساجد وإلغاء جميع الصور والأشكال والأسس الإيمانية والعقدية لوقت ما، وهو واقع مشاهد اليوم ومعاش على المستوى العالمي، ولا علاقة لها بطاعون أو غيره مما ينخدع به الناس، إنه واقع أليم للغفلة التي ورثها المسلمون من شعوب تعيش في القضاء على نعمة الإنسانية السماوية للأبد، ولكنها هيهات أن تنجح في خطتها المزعومة من الشيطان الذي كان قد تظاهر بالعداوة الشديدة للإنسان بإغوائه عن طريق العز والسعادة أمام رب العالمين،ولنقرأ بالمناسبة ما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم وهو يخاطب عباده المؤمنين:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” [الأنفال:29].
(سعيد الأعظمي الندوي)