حج البيت من حق الله على العباد

أهوال يوم القيامة
6 يونيو, 2024
سبق المفردون
18 يوليو, 2024

حج البيت من حق الله على العباد

عبد الرشيد الندوي

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ.

تخريج الحديث: رواه البخاري برقم (1521) واللفظ له، ومسلم (1350) وفي رواية الترمذي برقم (811): غفر له ما تقدم من ذنبه

شرح الحديث: إن الحج من أركان الإسلام الخمسة التي يقوم عليها بناء الدين وقد أعلن الله سبحانه وتعالى وصرح بتأكد هذه الفريضة العظيمة في كتابه فقال تعالى: “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين” ولا شك أن خاتمة هذه الآية الشريفة تتضمن تحذيرا شديدا ووعيدا أكيدا حيث عبر رب العزة والجلال عن الإعراض عن الحج بالكفر وأعلن بالبراءة عن تاركه قادرا عليه.و قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْحَافِظُ مِنْ حَدِيثِ أبي عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْم أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ، فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ يَهُودِيًّا مَاتَ أَوْ نَصْرَانِيًّا.

وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَوَى سَعيد بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ أَبْعَثَ رِجَالًا إِلَى هَذِهِ الْأَمْصَارِ فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ جَدةٌ فَلَمْ يَحُجَّ، فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِمُ الجِزْية، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ. مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ. انتهى كلام ابن كثير

قلت: أما رفع هذا الحديث فضعيف وهو ما رواه الترمذي برقم (812) عن علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه مرفوعا قال: مَن ملَك زادًا وراحلةً تُبَلِّغُه إلى بيتِ اللهِ ولم يَحُجَّ فلا عليه أن يموتَ يهوديًّا أو نصرانيًّا فيه هلال بن عبد الله مجهول والحارث يضعف.

فينبغي للمسلم أن يهتم بأداء فريضة الحج ويسارع إليه بكل ما وسعه ولا يماطل في القيام به ولا يؤخره لأن الموت قد يباغته فيموت وفي عنقه دين الله وفقنا الله تعالى وختم لنا بالخير وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: “تَعَجَّلوا إلى الحَجِّ –يَعني: الفَريضَةَ– فإنَّ أَحدَكم لا يَدري ما يَعرِضُ له ” أخرجه أحمد (2867) واللفظ له، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6031) والبيهقي (8956) بنحوه وحسنه بعض المحققين كالشيخ شعيب الأرنؤوط في التعليق على مسند أحمد

و قوله صلى الله عليه وسلم “فلم يرفث ولم يفسق” مأخوذ من قول الله جل وعلا “الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج” والنهي عن هذه الأمور الثلاثة من إعجاز كلام الله تعالى الحكيم الخبير البصير بأحوال العباد المطلع على مواضع النقص فيهم الرحيم الرؤوف بهم الواقف عل مصالحهم؛ فإن الحج يتضمن فرصا وعوارض واحوالا قد تثير دواعي الرفث والفسق والمراء والجدال وما ذلك من المعاصي كما لا يخفى على ذي بصر وتجربة.

و قوله صلى الله عليه وسلم ” رجع كيوم ولدته أمه” يدل بظاهره على غفران الصغائر والكبائر كما ذهب إليه كثير من المحققين لأن مناسك الحج ومواقعه ومشاعره ورؤية شعائر الله تعالى ترقق القلوب وتفيض الدموع وتحدث في النفوس ندما صادقا وتوبة نصوحا، ومع ذلك فقد استثنى العلماء من ذلك الديون وحقوق العباد وما يشبه ذلك من التبعات.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

×