الحلقة المفقودة في المجتمع اليوم
4 November, 2024رب عجلة تؤدي إلى الندامة
محمد نعمان الدين الندوي
على الإنسان أن يتروى ويفكر ويتدبر قبل أن يقول ما يقول.. وكذلك قبل أن يعمل ما يعمل..
فربما يعمل عملًا وهو يعتقد أنه يحسن عملًا.. ولكنه يخونه التوفيق، ويؤتى من حيث يعتقد أنه يحسن أو يصيب..
فإذا العمل الذي كان لا يساوره أدنى شك أو شبهة في كونه طيبًا ونافعًا.. يفاجأ بأنه كان غير موفق أو مصيب فيه..
ويأتي هذا الخلل لسبب واضح وحيد.. وهو أنه – صاحب العمل – لم يعطه حقه من التروي والتدبر في مختلف جوانبه.. ولو أعطاه حقه من الغربلة والبحث والنظر.. لما تحسر – ما تحسر – على القيام به..و لما ندم على ما ندم عليه .. ولات ساعة مندم !
وهكذا يجب عليه أن يفكر قبل أن يقول ما يقول.. فلْينظرْ في عواقب ما يقول..
والقرآن الكريم يدعونا إلى التأكد والتثبت والتحقق من كل خبر يصل إلينا.. {يا أيها الذي آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، « كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع ».
فلا نتسرع في نشر كل ما يصل إلينا من الغث والسمين والرطب واليابس من الأخبار في زمن اختلط فيه الحق بالباطل.. وعمت فيه الأباطيل، وكثرت فيه الشائعات والأراجيف، التي لا رأس لها ولا ذيل.. بل إنها تُختلق اختلاقًا لتكون فتنة للناس.. يختلقها أصحاب الضمائر المريضة بل الميتة!!
فلنتأنّ ولنتَّئِد في كل ما نمارسه من أعمال.. وما نلفظه من أقوال.. ولا نتستعجل في أي منهما.. وقد قيل: ” في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة “.
ومن هنا يُنصَح بـ: ” فكِّر قبل أن تقول.. كي لا تفكر بما قلت.. فالتفكير في الرأي الأول تهذيب.. وفي الثاني تأنيب “.
و – أيضًا –: “انتق عباراتك قبل أن تخرج.. دقق بكلماتك”…
ثم لا نربأ بأنفسنا عن مراجعة أقوالنا، ومحاسبة أعمالنا، ولا نتورع أو نتحرج عن الاعتراف بالخلل والقصور.. إذا تبين لنا ذلك.. فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب القبر الأعظم صلى الله عليه وسلم، والاعترافُ بالقصور أو الخطأ خير من الأعاليل بأضاليل، أو من تأويلات غير شافية لا تزيد الطين إلا بلة والأمر تعقيدًا وارتباكًا، وحججٍ واهية لا تسمن ولا تغني من جوع.
فالاعتراف ليس جبنًا أو ضعفًا أو عارًا.. بل إنما هو عين الشجاعة، ودليل على نبل المرء وعظمته، وأهليته لقبول الحق والتزامه..
وهل هناك شرف أكبر من شرف الخضوع للحق والتقيد به..؟
والحقيقة أن الاعتراف بالخطأ لا يحط من مكانة المرء، بل يرفع قدره في أعين الناس، ويكشف عن كرم محتده ونبل أرومته ونفسيته المتواضعة و: «من تواضع لله رفعه الله».
* * *