الفساد في الأرض بأشنع صوره!
18 يوليو, 2024الإنسان سيد الكون!
14 أغسطس, 2024متى سنعود إلى وحدتنا السابقة؟
سعيد الأعظمي الندوي
إذا تصورنا ذلك العهد المشرق الذي اتحدت فيه أجزاء الأمة بكاملها، وانضم فيه الشرق إلى الغرب، وذلك يوم وصل علماء الشرق الإسلامي إلى الغرب المنزوي في ركن من الجهل والغفلة، ويوم كانت أوروبا تعيش بعيدة عن كل علم وحضارة، فإذا بها تواجه مدارس العلم والحضارة التي صنعها أساتذة بارعون في كل فن من الفنون العلمية والحضارية، فانقشعت سحب الانزواء والغفلة والجهل، وبدأ يؤم تلك المدارس أبناء هذا الجزء المنقطع عن العالم، ويتلقون فيها علوم الطبيعة والكون، ويتفقهون وظيفة الحياة الإنسانية، ويدركون السر الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في آيات الكون والحكمة في الخلق والأمر والإبداع، يقول الله تبارك وتعالى: ) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ( [ آل عمران: 190].
ومن ثم نهضت أوروبا وقد تزودت ثروة العلم بجميع أنواعه من علماء الإسلام والأساتذة المسلمين، وما نسيت يومئذ منة الإسلام التي قامت بدور رائع ذي تأثير عميق في صناعة العلوم وفلسفة الإبداعات الحضارية بفنونها التي تشق الطريق نحو السعادة الدائمة، وبالتالي قيادة البشرية إلى الغايات السليمة والمقاصد الهادفة.
وقامت الحضارة الإسلامية وتمثلت بروائع القيم الخلقية والمثل العليا، يوم كان للمسلمين دور كبير في الأندلس، ومكانة عالية في تمثيل القيادة العالمية التي حملت لواءها أمة الإسلام وتوغّلت بها إلى جميع أنحاء أوروبا الدانية منها والقاصية، كيف لا، وقد أكرمها الله تعالى بالخير وصنوف الخير كلها، فسماها خير أمة أخرجت للناس، وذلك بطريق الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [ آل عمران: 110]. وذلك ما فسره رسول الإسلام العظيم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فقال: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم”.
وقد امتلأت الدنيا كلها بهذا الهتاف الخيري، هتاف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكأنه كان مفتاح الوحدة والاعتصام بحبل الله تعالى، وكان منقذًا للبشرية من هوة الهلاك والدمار، وكان منتظمًا كل فرد من أفرادها في سلك الوحدة التي لا نظير لها في تاريخ العالم قبلها، وظل المسلمون على هذا الوصف من الوحدة والأخوة حتى أصبحوا مضرب المثل في العالم البشري، وقلدتهم الأمم والشعوب في هذه الناحية الممتازة التي لم تكن تتمتع بها في أي فترة تاريخية، وتمسكوا بها بيد من حديد، فمثلاً اليهودية العالمية اليوم وبالأمس، والنصرانية كذلك اتحدتا وأصبح أفرادهما كجسد واحد وإن كان ذلك على غرار من السلبية، ولا تزال الشعوب الأخرى متوحدة، ومنتظمة في سلك المبادئ التي تتبناها، فما يمسّها أحد بسوء.
أما أمتنا نحن المسلمين ذات التوجيهات الأخوية والتعاليم الخالدة والرسالة الإنسانية فأصبحت أمة ممزقة فرقتها الأهواء، وشتتها الإغراءات أنواعًا وألوانًا، ذهبت ريحها، وخارت شوكتها، ولم تعدلها هيبتها التي كانت تخلع القلوب، وتهزّ أركان العروش، وتتمثل أمام الظالمين بصور مرعبة من النمور والأسود.
فمتى سنستعيد تاريخنا المشرق، ونعود قوة واحد ووحدة قوية، حتى نستطيع أن نسعد الإنسان وننقذ العالم البشري القلق من الحيرة الشديدة والحزن والخوف اللذين لا يفارقانه، لأن الإيمان بالله ورسوله وكتابه، فارق حياتنا أو كاد……… والله سبحانه وتعالى يقول:)وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا( [ آل عمران: 103]. ونبينا المصطفى ورسولنا العظيم يصور المسلم بجسد واحد في حديثه الصحيح “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.